للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكون دعوى الطائفتين واحدة لا يمنع أن الحق مع إحداهما دون الأخرى، وقد أوضحه - صلى الله عليه وسلم -، فشهد بأنه مع الطائفة التي تقاتل فرقة مارقة تخرج بين المسلمين يومئذ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين، يقتلها أولى الطائفتين بالحق)). (١) فكان ذلك شهادة بالغة بأن الحق مع عليٍّ وأصحابه، لقتالهم لمارقي الخوارج في وقعة النهروان.

قَالَ القرطبي: "وفي هذا الحديث عَلَم من أعلام النبوة، حيث أخبر بما وقع قبل أن يقع". (٢)

وكان - صلى الله عليه وسلم - قد تنبأ بظهور الخوارج، وحدد صفاتهم وسماتهم، لما جاءه ذو الخويصرة متهماً النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بالظلم في قسمة الغنائم قال: ((إن له أصحاباً، يحقِر أحدُكم صلاتَه مع صلاتهم، وصيامَه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ... آيَتُهُم رجلٌ أسود، إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثلُ البضعة تدردر، ويخرجون على خير فرقةٍ من الناس)).

قال أبو سعيد الخدري: (أشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - , وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم وأنا معه، فأمر بذلك الرجل، فالتُمِس، فأتي به حين نظرت إليه على نعت النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي نعته). (٣)

قال النووي: "وفي هذا الحديث معجزات ظاهرة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه أخبر بهذا، وجرى كله كفلق الصبح، ويتضمن بقاء الأمة بعده - صلى الله عليه وسلم -، وأن لهم شوكة وقوة، خلاف ما كان المبطلون يشيعونه، وإنهم يفترقون فرقتين، وأنه يخرج عليه طائفة مارقة، وأنهم يشددون في الدين في غير موضع التشديد, ويبالغون في الصلاة والقراءة, ولا يقيمون بحقوق الإسلام، بل يمرقون منه, وأنهم يقاتلون أهل الحق, وأن أهل الحق يقتلونهم، وأن فيهم رجلاً صفة يده كذا وكذا، فهذه أنواع من المعجزات جرت كلها، ولله الحمد". (٤)


(١) رواه مسلم ح (١٠٦٥).
(٢) فتح الباري (١٢/ ٣١٤).
(٣) رواه البخاري ح (٣٦١٠)، ومسلم ح (١٠٦٤).
(٤) شرح صحيح مسلم (٧/ ١٦٦ - ١٦٧).

<<  <   >  >>