للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وثمة ميزان آخر للفتنة، إنه عمار بن ياسر، رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - عند بناء مسجده - صلى الله عليه وسلم - يحمل لبِنَتين لبنتين، فيما كان الصحابة يحملون لبِنة لبِنة، فجعل - صلى الله عليه وسلم - ينفض التراب عنه، ويقول: ((ويح عمار، تقتلُه الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة، ويدعونه إلى النار) قال أبو سعيد: يقول عمار: أعوذ بالله من الفتن. (١)

قال النووي في شرحه للحديث: " وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أوجه: منها أن عمارًا يموت قتيلاً, وأنه يقتله مسلمون, وأنهم بُغاةٌ, وأن الصحابة يقاتِلون, وأنهم يكونون فِرقتين: باغية, وغيرها, وكل هذا قد وقع مثل فلق الصبح, صلى الله وسلم على رسوله الذي لا ينطق عن الهوى, إن هو إلا وحي يوحى". (٢)

وقال ابن عبد البر: "وتواترت الآثار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((تقتل عمارَ الفئةُ الباغية))، وهذا من إخباره بالغيب وأعلام نبوته - صلى الله عليه وسلم -، وهو من أصح الأحاديث". (٣)

وقد قتِل عمارُ في جيش عليٍّ سنة سبع وثلاثين للهجرة النبوية، فكان دليلاً آخر على صحة موقف أبي الحسن علي - رضي الله عنه -، وهو أيضاً دليل على صحة نبوة نبينا - صلى الله عليه وسلم -، وإلا فمن ذا الذي أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بما يقع بعد وفاته من تمايز المسلمين إلى فئتين، وأن الباغية منهما تقتل عماراً؟ لا ريب أنه وحي الله الذي يعلم السر وأخفى.

ومما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من أخبار الفتن إخباره عن خروج إحدى أزواجه على جمل، وأنه يقتل حولها كثير من المسلمين، فعن ابن عباس رضي الله عنها قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أيتُكنَّ صاحبة الجمل الأدبب [أي كثير وبر الوجه]، يقتل حولها قتلى كثيرة، تنجو بعدما كادت)). (٤)


(١) رواه البخاري ح (٤٢٨)، ومسلم ح (٥١٩٢) واللفظ للبخاري.
(٢) شرح النووي على صحيح مسلم (٨/ ٤٠).
(٣) الاستيعاب (٢/ ٤٨١).
(٤) رواه ابن أبي شيبة في المصنف ح (٣٧٧٨٥)، قال الهيثمي في مجمع الزوائد: "رواه البزار ورجاله ثقات" (٧/ ٤٧٤).

<<  <   >  >>