للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقالوا: ترون أنَّا نعيشُ حتى نبيتَ مطمئنين لا نخاف إلا الله عز وجل؟ فنزل قوله تعالى: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً} (النور: ٥٥) وكان كذلك، فقد أمَّنهم الله من بعد خوفهم، وسوَّدهم الأرض، واستخلفهم فيها من بعد ذلتهم، ومكَّن لهم دينهم في مشارق الأرض ومغاربها.

قال القرطبي: " وقد فَعلَ اللهُ ذلك بمحمدٍ وأمتِه، ملّكَهُم الأرض، واستخلفهم فيها، وأذل لهم ملوكاً تحت سيف القهر بعد أن كانوا أهل عز وكبر، وأورثهم أرضهم وديارهم وأموالهم {وعد الله إن الله لا يخلف الميعاد} (الزمر: ٢٠) ". (١)

وفي موقف آخر من المواقف الصعبة التي عانى منها الصحابة أتى عدي بن حاتم النبي - صلى الله عليه وسلم -، وبينما هو عنده؛ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل.

فالتفت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى عَدي، وقال: ((فلعلك إنما يمنعك عن الإسلام أنك ترى من حولي خصاصة، أنك ترى الناس علينا إلْباً)).

ثم ألقى النبي - صلى الله عليه وسلم - نبوءة مفاجئة أذهلت عَدياً، فقد قال له: ((يا عدي، هل رأيت الحيرة؟)) فأجابه: لم أرها، وقد أُنبئت عنها.

فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((فإن طالت بك حياة لترين الظعينة [أي المرأة] ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة، لا تخاف أحداً إلا الله)).

يقول عدي، وهو يتشكك من وقوع هذا الخبر: قلت فيما بيني وبين نفسي: فأين دُعَّار [لصوص] طيءٍ الذين سعروا البلاد؟

وقبل أن يفيق عدي من ذهوله وحديثه مع نفسه أسمعه النبي - صلى الله عليه وسلم - نبوءة أعظمَ وأبعد، فقال: ((ولئن طالت بك حياة لتُفتحنَّ كنوزُ كسرى)).

ولم يصدق عديٌ مسمعه، فسأل النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مستوثقاً: كسرى بنِ هُرمز؟


(١) الإعلام بما في دين النصارى (١/ ٣٣٨).

<<  <   >  >>