للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأجابه النبي - صلى الله عليه وسلم - بلسان الواثق من ربه - رغم ضعف حاله وفاقة أصحابه -: ((كسرى بنِ هرمز، ولئن طالت بك حياة لتريَنَّ الرجل يُخرج ملء كفه من ذهب أو فضة، يطلب من يقبله منه فلا يجد أحداً يقبلُه)).

ثلاث نبوءات لا يمكن لغير مؤمنٍ أن يُصدق بوقوعها في ذلك الزمان وفي مثلِ تلك الظروف، لكنها دلائل النبوة وأخبار الوحي الذي لا يكذب.

يقول عدي: فرأيتُ الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوفَ بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنتُ فيمن افتتح كنوز كسرى بنِ هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم - صلى الله عليه وسلم -[عن الرجل] يخرج ملء كفه. (١)

وصدق عدي - رضي الله عنه -، فقد تحققت الثالثة زمن الخليفةِ الراشدِ عمرَ بنِ عبد العزيز.

ومثله قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تقوم الساعة حتى يسير الراكب بين العراق ومكة؛ لا يخاف إلا ضلال الطريق)). (٢) إنها من أخبار الغيب الدالة بتحققها على نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -.

ولما أتت جموع الأحزاب إلى المدينة، يرومون استئصال المسلمين؛ أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بحفر الخندق حول المدينة، وبينما هم يحفرون عرضت لهم صخرة حالت بينهم وبين الحفر، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخذ المعول، ووضع رداءه ناحية الخندق، وقال: {وتمت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم} (الأنعام: ١١٥) فندر ثُلث الحجر، وسلمان الفارسي قائم ينظر، فبرق مع ضربةِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برْقة.

ثم ضرب الثانية والثالثة .. فكان مثله.

فتقدم إليه سلمان فقال: يا رسول الله رأيتُك حين ضربتَ، ما تضرب ضربة إلا كانت معها برقة! فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا سلمان رأيتَ ذلك؟)) فقال: إي والذي بعثك بالحق يا رسول الله.

قال: ((فإني حين ضربت الضربة الأولى رُفعت لي مدائنُ كسرى وما حولها ومدائنٌ كثيرة حتى رأيتُها بعينيّ)).


(١) رواه البخاري ح (٣٥٩٥)، فيما عدا قوله: ((فلعلك إنما يمنعك عن الإسلام أنك ترى من حولي خصاصة، أنك ترى الناس علينا إلباً))، فإنها من رواية الحاكم (٤/ ٥٦٤).
(٢) رواه أحمد ح (٨٦١٥)، قال الهيثمي: "رجاله رجال الصحيح" مجمع الزوائد (٧/ ٦٣٩).

<<  <   >  >>