للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتعقبه ابن حجر فقال: "الذي يظهر أن الذي شاهده كان منه الكثير مع وجود مقابله [أي العلم]، والمراد من الحديث استحكامُ ذلك، حتى لا يبقى مما يقابله إلا النادر .. فلا يبقى إلا الجهل الصِرف، ولا يمنع من ذلك وجود طائفة من أهل العلم؛ لأنهم يكونون حينئذ مغمورين في أولئك". (١)

ولئن كان ذلك في زمن ابن بطال ثم ابن حجر فإنه في زماننا أظهر وأبْيَن، ولا يخفى هذا على عاقل يرى ما رُزئنا به اليوم من موت العلماء، وتصدر الأدعياء.

وأما العلامة الثانية من علامات النبوة التي أخبر بها - صلى الله عليه وسلم - فهي شيوع شرب الخمر بين المسلمين، وقد أنبأ - صلى الله عليه وسلم - أن الذين سيشربونها؛ يسمونها بغير اسمها، وأنهم يستحلونها، ولا يرون أنها الخمر التي حرمها الله، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((يشرب ناس من أمتي الخمر، يسمونها بغير اسمها) وزاد في رواية الدارمي: ((فيستحلونها)). (٢)

وبيانُه فيما أخرجه البخاري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((ليكونن من أمتي أقوامٌ يستحلون الحِرَ والحرير والخمر والمعازف)). (٣)

وقد كان هذا - وللأسف - عند بعض جهال المسلمين، غفلة منهم وجهلاً، فتعاطوا هذه المحرمات، لما رأوها سميت بالمنشطات أو المخدِّرات أو المشروبات الروحية، والحق أنها جميعاً خمر حرمها الله ولعن شاربها وبائعها وصانعها، وقد قال عمر - رضي الله عنه - على المنبر وهو يخطب في المسلمين: (أما بعد، نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير، والخمر ما خامر العقل) (٤)، أي غطاه، فكل ذلك خمر.

قال القرطبي: " في هذا الحديث عَلم من أعلام النبوة، إذ أخبر عن أمور ستقع؛ فوقعت، خصوصاً في هذه الأزمان". (٥)


(١) فتح الباري (١٣/ ١٨).
(٢) رواه النسائي ح (٥٦٥٨)، وأبو داود ح (٣٦٨٨)، وأحمد ح (١٧٦٠٧)، والدارمي ح (٢١٠٠)، وصححه الألباني في صحيح الجامع ح (٩٥٨٤).
(٣) ذكره البخاري معلقاً بصيغة الجزم في باب: "ما جاء فيمن يستحل الخمر ويسميه بغير اسمه".
(٤) رواه البخاري ح (٥٥٨١)، ومسلم ح (٣٠٣٢).
(٥) نقله عنه ابن حجر في الفتح (١/ ١٧٩).

<<  <   >  >>