للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال: ((يتقاربُ الزمان، ويَنقصُ العمل، ويُلقى الشح)). (١)

قال التوربشتيُ: "يُحمل ذلك على قلة بركة الزمان، وذهابِ فائدته في كل مكان، أو على أن الناس لكثرة اهتمامهم بما دهمهم من النوازل والشدائد وشُغْلِ قلبهم بالفتن العظام؛ لا يدرون كيف تنقضي أيامهم ولياليهم". (٢)

وقال الخطابي: "معناه قِصَر زمان الأعمار وقلة البركة فيها .. وقيل: قِصر مدة هذه الأيام والليالي؛ على ما روي أن الزمان يتقارب حتى يكون السنة كالشهر، والشهرُ كالجمعة، والجمعةُ كاليوم، واليومُ كالساعة، والساعةُ كاحتراق السَعَفَة". (٣)

وهكذا فقد حمل العلماء الحديث على ثلاثة معانٍ: قصرُ الأعمار أو ذَهابُ بركتها أو تقاربُ الزمان حقيقة.

فأما المعنيان الأولان فهما مشاهدان بكثرة بين الناس اليوم، وبخاصة ذَهاب بركة العمر، حيث تنقضي السنة، والواحد منا يظنها شهراً، وينقضي الشهر، ولا نحسبه إلا أسبوعاً.

وأما المعنى الثالث الذي يقضي بتناقص الزمان حقيقة، فلعله يكون قبيل الساعة، حين يختل الكثير مما نعهده من نواميس الكون التي جعلها الله، فتشرقُ الشمس من مغربها، وتتكلمُ السباع، إلى غيره مما هو خارج عن مألوفنا في سنن الله الكونية.

وسابع أشراط الساعة التي تنبأ النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها تكون؛ كثرةُ الزلازل ونقارب أوقاتها، وهو أمر يعجب المرء لكثرته في هذه الأيام، وهو في ازدياد مستمر، حتى لا يكاد يمضي الشهر إلا وتهتز الأرض هنا أو هناك، فمن الذي أعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الغيب قبل ألف وأربعِ مائةٍ سنة؟ إنه الله علام الغيوب.

وأما ثامن علامات الساعة ودلائل النبوة فهو إخباره عن كثرة الشح بين الناس لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ويُلقى الشح)).


(١) رواه البخاري ح (٦٠٣٧)، ومسلم ح (١٥٧).
(٢) تحفة الأحوذي (٦/ ٥١٤).
(٣) عون المعبود (١١/ ٢٢٣).

<<  <   >  >>