للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((فإذا ضيِّعت الأمانة فانتظر الساعة) قال: كيف إضاعتها؟ قال: ((إذا وسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)). (١)

قال ابن بطال في معناه: "أن الأئمة قد ائتمنهم الله على عباده، وفرض عليهم النصيحة لهم، فينبغي لهم تولية أهل الدين، فإذا قلَّدوا غير أهل الدين فقد ضيعوا الأمانة التي قلدهم الله تعالى إياها". (٢)

فمن ضياع الأمانة في آخر الزمان أن تسند المسؤوليات لا إلى أربابها من أصحاب الكفاءات، بل إلى ما يملكه المرء من معارف وأموال يسترضي بها الآخرين.

وما تزال الأمانة تقل بين الناس حتى يأتي عليهم زمان تنقلب فيه الموازين، وترفع فيه الأمانة ((فيصبح الناس يتبايعون، فلا يكاد أحدهم يؤدي الأمانة، فيقال: إن في بني فلان رجلاً أميناً، ويقال للرجل: ما أعقله! وما أظرفه! وما أجلده! وما في قلبه مثقال حبة خردل من إيمان)). (٣)

وتعاني أمة الإسلام حالة غريبة من التشرذم والضعف، وأصبحت بلادها كلأً مستباحاً للقاصي والداني، ولم يشفع لها أنها جاوزت المليار والربع من المسلمين، فهم غثاء كغثاء السيل، فصدق فيهم حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها)) فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: ((بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوهن) فقال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: ((حب الدنيا وكراهية الموت)). (٤) إنه نبوءة من لا ينطق عن الهوى، وهو علم آخر من أعلام نبوته - صلى الله عليه وسلم - ورسالته.

وهكذا فإن وقوع ما أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد مضي هذه القرون من تنبئه بهذه الأحداث وتلك المظاهر، لبرهان صدق ودليل حق على نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم -.


(١) رواه البخاري ح (٦٤٩٦).
(٢) فتح الباري (١١/ ٣٤٢).
(٣) رواه البخاري ح (٧٠٨٦).
(٤) رواه أبو داود ح (٣٧٤٥)، وأحمد ح (٢١٣٦٣)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح ح (٥٣٦٩).

<<  <   >  >>