للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فإن الصخور الصم لانَتْ بكفه ... وإن الحصا في كفه ليُسبِّحُ

وإن من معجزاته - صلى الله عليه وسلم - العظيمة نطقُ الجمادات بين يديه، فالجمادات لا تعقل ولا تنطق، فإذا أنطقها الله بتصديقه، فهو دليل رضاهُ عن النبي في قوله بنبوة نفسه وتصديقه حين قال بإرسال الله إياه.

وقد بدئ - صلى الله عليه وسلم - بآية من هذا النوع قبل نبوته، فكان الحجر يسلم عليه، يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن)). (١)

قال النووي: "فيه معجزة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ". (٢)

وبعد البعثة رأى الصحابة ذلك، يقول علي - رضي الله عنه -: (كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة، فخرج في بعض نواحيها، فما استقبله شجر ولا جبل إلا قال: السلام عليك يا رسول الله). (٣)

ولم تتوقف هذه الآيات والمعجزات عند السلام عليه - صلى الله عليه وسلم - والتسبيح بين يديه وأيدي أصحابه، بل أنطقها الله بالشهادة له - صلى الله عليه وسلم - بالنبوة والرسالة.

يقول ابن عمر رضي الله عنهما: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر فأقبل أعرابي، فلما دنا منه قال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أين تريد؟)) قال: إلى أهلي، قال: ((هل لك في خير؟)) قال: وما هو؟ قال: ((تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله)).

قال الأعرابي: ومن يشهد على ما تقول؟ فأشار النبي إلى شجرة، وقال: ((هذه السلَمَة))، فدعاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي بشاطئ الوادي، فأقبلَتْ تَخُدُّ الأرض خداً حتى قامت بين يديه, فاستشهدها ثلاثاً، فشهدت ثلاثاً أنه كما قال.

ثم رجعت إلى مَنبَتها، ورجع الأعرابي إلى قومه، وهو يقول للنبي - صلى الله عليه وسلم -: إن اتبعوني أتيتُكَ بهم، وإلا رجعتُ فكنتُ معك. (٤)


(١) رواه مسلم ح (٢٢٧٧).
(٢) شرح النووي على صحيح مسلم (١٥/ ٣٦).
(٣) رواه الترمذي ح (٣٦٢٦)، والحاكم (٢/ ٦٧٧)، وصححه، ووافقه الذهبي، وأبو يعلى ح (٥٦٦٢)، وقد صححه الألباني لغير هذا الإسناد في صحيح الترغيب ح (١٢٠٩).
(٤) رواه الدارمي ح (١٦)، وصححه ابن حبان ح (٥١٩)، والألباني في مشكاة المصابيح ح (٥٨٦٨).

<<  <   >  >>