للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين} (الأنبياء: ٧٩). {ولقد آتينا داود منا فضلاً يا جبال أوبي معه والطير وألنا له الحديد} (سبأ: ١٠).

وبمثل هذه المعجزة العظيمة أيد الله نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم -، فسبح للهِ بين يديه الجمادُ، وشهد له بالنبوة والرسالة.

يقول ابن مسعود - رضي الله عنه -: لقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يُؤكل. (١) أي بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم -.

ويقول أبو ذر - رضي الله عنه -: إني شاهد عند النبي - صلى الله عليه وسلم - في حَلْقَة، وفي يده حصى، فسبّحنَ في يده. وفينا أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، فسمع تسبيحَهن مَنْ في الحَلْقَة، ثم دفعهن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي بكر، فسبحن مع أبي بكر، سمع تسبيحهن من في الحلقة، ثم دفعهن إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسبَّحنَ في يده، ثم دفعهنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى عمر، فسبحن في يده، وسمع تسبيحهنّ مَنْ في الحلقة، ثم دفعهن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى عثمان بن عفان، فسبّحن في يده، ثم دفعهنَّ إلينا، فلم يسبّحن مع أحدٍ منا. (٢)

ويقارن ابن كثير بين هذه المعجزة ومعجزة أخيه نبي الله داود عليهما السلام، فيقول: "ولا شك أن صدور التسبيح من الحصى الصغار الصمّ التي لا تجاويف فيها؛ أعجب من صدور ذلك من الجبال؛ لما فيها من التجاويف والكهوف، فإنها وما شاكلَها تردِّدُ صدى الأصوات العالية غالباً .. ولكن من غير تسبيح؛ فإن ذلك [أي تِردادَها بالتسبيح] من معجزات داود عليه السلام، ومع هذا كان تسبيح الحصى في كف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان أعجب". (٣)

وصدق الشاعر إذ يقول:

لئن سبَّحتْ صمُّ الجبال مجيبة ... لداود أو لان الحديدُ المصفَّح


(١) رواه البخاري ح (٣٥٧٩).
(٢) رواه الطبراني في الأوسط ح (١٢٤٤)، والبزار ح (٤٠٤٠)، وقال الهيثمي: "وله طرق أحسن من هذا في علامات النبوة، وإسناده صحيح". مجمع الزوائد (٥/ ٣٢٧)، وصححه الألباني في تخريج كتاب "السنة" ح (١١٤٦).
(٣) البداية والنهاية (٦/ ٢٨٦).

<<  <   >  >>