للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال جابر: فجئت وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يَقْدُمُ الناسَ حتى جئتُ امرأتي، فقالت: بكَ وبكَ.

لقد لامته وقرّعته على دعوةِ العدد الكبير إلى طعامهم القليل، إذ ظنت أنه أهمل طلبتها.

يقول جابر: فقلتُ: قد فعلتُ الذي قلتِ لي.

قال جابر: فأخرجتُ له عجينتنا، فبصق فيها وبارك، ثم عمَد إلى بُرْمَتِنا، فبصق فيها وبارك، ثم قال لامرأتي: ((ادعي خابزةً فلتخبز معَكِ، واقدحي من بُرْمتِكم ولا تُنزِلوها)).

قال جابر: وهم ألفٌ، فأقسم بالله، لأكلوا حتى تركوه .. وإن بُرْمَتنا لتغِطُّ كما هي، وإن عجينتنا لتُخبَز كما هو. (١)

لقد أطعم النبي - صلى الله عليه وسلم - ألف رجل من طعام لا يكاد يكفي البضعَ من الرجال، يقول النووي: "حديث طعام جابر فيه أنواع من فوائد وجُمَل من القواعد: منها: الدليلُ الظاهر والعلم الباهر من أعلام نبوةِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... وقد تضمن هذا الحديث عَلَمَينِ من أعلام النبوة: أحدُهُما: تكثيرُ الطعام القليل، والثاني: عِلمُه - صلى الله عليه وسلم - بأن هذا الطعام القليل الذي يكفي في العادة خمسةَ أنفسٍ أو نحوَهم سيَكْثُر، فيكفي ألفاً وزيادة، فدعا له ألفاً [أي من أصحابه] قبل أن يصل إليه، وقد عُلم أنه [أي طعامُ جابر] صاعُ شعير وبهيمة". (٢)

وأعجب منه وأعظم في البركة ما قصّه علينا عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما حين قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثين ومائة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((هل مع أحدٍ منكم طعام؟)) فإذا مع رجل صاعٌ من طعام أو نحوُه، فعُجِن، ثم جاء رجلٌ مشرك مُشعَانٌ طويلٌ (٣) بغنم يسوقها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((بيعاً أم عطية؟ أو قال: هِبة؟)) فقال: لا، بل بيع، فاشترى منه شاةً، فصُنِعَت.


(١) رواه البخاري ح (٤١٠٢)، ومسلم ح (٢٠٣٩)، واللفظ له.
(٢) شرح النووي (١٣/ ٢١٧).
(٣) أي طويل جداً شعث الرأس.

<<  <   >  >>