للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بسواد البطن [أي الكبد] أن يُشوى، وأيْمُ الله ما في الثلاثين والمائة إلا قد حَزّ له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حُزَّة من سواد بطنها، إن كان شاهداً أعطاه إياه، وإن كان غائباً خبّأ له، فجعل منها قصعتين، فأكلوا أجمعون، وشبعنا، فَفَضَلت القصعتان، فحملناه على البعير. (١)

قال النووي: " وفي هذا الحديث معجزتان ظاهرتان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إحداهما: تكثيرُ سوادِ البطن حتى وسِع هذا العدد، والأخرى تكثير الصاع ولحم الشاة حتى أشبعهم أجمعين، وفَضَلَت منه فَضْلةً حملوها لعدم حاجة أحد إليها". (٢)

وأدرك أبو هريرة - رضي الله عنه - ما عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من البركة، فطمع أن ينال حظه منها، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بتمرات فقال: يا رسول الله، ادع الله لي فيهن بالبركة، قال: فصَفّهن بين يديه، ثم دعا، فقال لي: ((اجعلهن في مِزْود [وعاء]، وأدخل يدك ولا تَنثُرْه)) قال: فحملت منه كذا وكذا وسْقاً في سبيل الله، ونأكل ونطعِم، وكان لا يفارق حقوي [أي معْقِدَ الإزار].

فلما قُتل عثمان رضي الله عنه انقطع المِزود عن حقويّ، فسقط. (٣)

لقد بقي - رضي الله عنه - يأكل من الجراب زُهاء خمس وعشرين سنة، كل ذلك ببركة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ليكونَ شاهداً آخرَ على نبوة النبي - صلى الله عليه وسلم -.

ولهذا ولغيره لما أورد القاضي عياض أحاديثَ بركات النبي - صلى الله عليه وسلم - من تكثير الطعام وبركة الدعاء قال: "وقد اجتمع على معنى حديثِ هذا الفصلِ بضعةَ عشر من الصحابة، رواه عنهم أضعافُهم من التابعين، ثم من لا ينعدُّ بَعدَهم، وأكثرها في قصصٍ مشهورة ومجامعٍ مشهودة، ولا يمكن التحدّث عنها إلا بالحق، ولا يسكت الحاضرُ لها على ما أُنكِر منها". (٤)


(١) رواه البخاري ح (٢٦١٨)، ومسلم ح (٢٠٥٦).
(٢) شرح النووي على صحيح مسلم (١٤/ ١٧).
(٣) رواه أحمد ح (٨٤١٤)، والترمذي ح (٣٨٣٩) وحسّنه الألباني في صحيح الترمذي ح (٣٠١٥).
(٤) الشفا بتعريف حقوق المصطفى (١/ ٢٨٩).

<<  <   >  >>