للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهكذا فإنه يرى هذه الأخبار منقولةً بطريق أشبه التواتر، فقد شهد كلَّ واحدة منها الكثيرون من الصحابة وغيرِهم، فلم يعارِض أحدٌ رواتَها، وهم يروون هذه الأخبار لشهرتها وصدقها.

ويخرج سلَمةَ بنِ الأكوع مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في غزوة فيصيبهم جَهدٌ، حتى همّوا بنحر بعض إبِلِهِم، يقول سلمة: فأمر نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، فجمعنا مزاوِدَنا، فبسطنا له نِطَعاً، فاجتمع زاد القوم على النِطَع.

قال سلمة: فتطاولتُ لأَحزِرَه كم هو؟ فحَزرْتُه كرَبضة العنْز (١)، ونحن أربعَ عشرةَ مائة، قال: فأكلنا حتى شبعنا جميعاً، ثم حشونا جُرُبَنا، فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم -: ((فهل من وضوء؟)) قال: فجاء رجلٌ بإدَاوةٍ له، فيها نُطفَة [أي القليل من الماء]، فأفرغها في قَدَح، فتوضأْنا كلُنا. (٢)

قال النووي: " وفي هذا الحديث: معجزتان ظاهرتان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهما: تكثيرُ الطعام، وتكثير الماء هذه الكثرةَ الظاهرة، قال المازِرِي: في تحقيق المعجزة في هذا، أنه كلما أُكِل منه جزءٌ أو شُرِب جزء، خلق الله تعالى جزءاً آخر يخلُفُه ". (٣)

ومن أخبار بركاته - صلى الله عليه وسلم - المتكاثرة المتواترة في معناها، ما يرويه أبو هريرة، فلنستمع إليه وهو يقول: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسير، قال: فنفِدَت أزواد القوم، حتى هَمّوا بنحر بعضِ حمائلهم. فقال عمر: يا رسول الله، لو جمعتَ ما بقي من أزواد القوم، فدعوتَ اللهَ عليها.

قال أبو هريرة: ففعل .. فدعا عليها، حتى ملأ القومُ أزْوِدَتهم. فقال - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك: ((أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبدٌ غيرَ شاك فيهِما، إلا دخل الجنة)). (٤)


(١) أي كان مقدار ما لديهم من الزاد بما يغطي موضعَ جلوسِ عنْزة.
(٢) رواه مسلم ح (١٧٢٩).
(٣) شرح النووي على صحيح مسلم (١٢/ ٣٤ - ٣٥).
(٤) رواه مسلم ح (٢٧).

<<  <   >  >>