لقد بارك الله فيما تبقى من أزوادهم، فكَثُر قليلُ طعامهم ببركة النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال النووي:"وفي هذا الحديث عَلم من أعلام النبوة الظاهرة، وما أكثرَ نظائره التي يزيد مجموعها على شرط التواتر، ويحصل العلم القطعي، وقد جمعها العلماء، وصنفوا فيها كتباً مشهورة". (١)
وفي دليل آخر من دلائل نبوته - صلى الله عليه وسلم - يروي الشيخان في الصحيحين أن أبا طلحة دخل ذات يوم على زوجه أمِ سُلَيم، فقال لها: لقد سمعتُ صوتَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضعيفاً أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شيء؟ قالت: نعم.
قال أنس: فأخرجتْ [أي أمَّه أُم سُليم] أقراصاً من شعير، ثم أخرجت خماراً لها، فلفّتِ الخبز ببعضه، ثم دسّته تحت يدي، ولاثتني ببعضه [أي لفتني ببعضه]، ثم أرسلتني إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
فذهبتُ به، فوجدتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد ومعه الناس، فقُمتُ عليهم، فقال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: آرسلكَ أبو طلحة [أي: هل أرسلكَ أبو طلحة]؟ فقلت: نعم. قال: بطعام؟ فقلت: نعم. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمن معه: قوموا.
قال أنس: فانطلق وانطلقتُ بين أيديهم، حتى جئت أبا طلحة فأخبرتُه، فقال أبو طلحة: يا أم سُليم، قد جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالناس، وليس عندنا ما نطعِمُهم. فقالت: الله ورسولُه أعلم.
فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فأقبل رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو طلحةَ معه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هلُمي يا أم سُليم، ما عندك؟
فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ففُتَّ، وعَصرت أُمُّ سليمٍ عُكَّةً [قربةً فيها سمنٌ] فأَدَمَتْه [أي جعلتْه إداماً]، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه ما شاء الله أن يقول [أي من دعاء الله بالبركة].