للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم قال عليه الصلاة والسلام: ((ائذن لعشرةٍ))، فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا، ثم خرجوا، ثم قال: ((ائذن لعشرة)). فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا .. [وهكذا] فأكل القوم كلُّهم وشبعوا، والقوم سبعون أو ثمانون رجلاً. (١)

قال النووي: "قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((آرسلك أبو طلحة؟)) وقوله: ((ألطعامٍ؟)) هذان عَلَمان من أعلام النبوة [أي لإخباره - صلى الله عليه وسلم - بما غاب عنه] , وذهابُه - صلى الله عليه وسلم - بهم علَم ثالثٌ [أي لعلمه - صلى الله عليه وسلم - بحصول البركة] , وتكثيرُ الطعام عَلَم رابع ". (٢)

وهذه القصة وأمثالُها حضرها الجمع من الصحابة، ولا يمكن الكذب في مثل هذه الأخبار لكثرةِ شهودها وظهورِ خبرها بين الناس.

قال النووي: " إذا روى الصحابي مثل هذا الأمر العجيب, وأحال على حضوره فيه مع سائر الصحابة, وهم يسمعون روايته ودعواه, أو بلَغهم ذلك ولا ينكرون عليه, كان ذلك تصديقاً له يوجب العلم بصحة ما قال". (٣)

وذات مرة كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في سفر، فاشتكى إليه الناس من العطش، فنزل، فدعا اثنين من أصحابه، فقال: ((اذهبا فابتغيا الماء))، فانطلقا، فتَلقيا امرأةً بين مزادتين من ماء، على بعير لها .. فاستنزلوها عن بعيرها، ودعا النبي - صلى الله عليه وسلم - بإناء، ففرَّغَ فيه من أفواهِ المزادتين، وأوْكأ أفواهَهما .. ونُودي في الناس: اسقوا واستقوا، فسقى من شاء، واستقى من شاء.

وأما المرأةُ صاحبةُ المزادتين، فكانت قائمةً تنظر إلى ما يُفعل بمائها، وأيم الله لقد أقلع عنها، وإنه ليُخيَّل إلينا أنها أشدُ مِلأَة منها حين ابتدأ فيها.

وأراد النبي - صلى الله عليه وسلم - تطييب خاطرها، فقال: ((اجمعوا لها من بين عجوة ودقِيقَة وسَويقَة)) حتى جمعوا لها طعاماً، فجعلوها في ثوب، وحملوها على بعيرها، ووضعوا الثوب بين يديها، وقال لها - صلى الله عليه وسلم -: ((تعلمين ما رَزِئْنا من مائِكِ شيئاً [أي لم نُنقِص منه شيئاً]، ولكن الله هو الذي أسقانا)).


(١) رواه البخاري ح (٣٥٧٨)، ومسلم ح (٢٠٤٠).
(٢) شرح النووي على صحيح مسلم (١٣/ ٢١٩).
(٣) شرح النووي على صحيح مسلم (١٢/ ٣٥).

<<  <   >  >>