للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأتت المرأة أهلها وقد احتبست عنهم، قالوا: ما حبسك يا فلانة؟ قالت: العجبُ، لقيني رجلان، فذهبا بي إلى هذا الذي يقال له: الصابئ، ففعل كذا وكذا، فواللهِ إنه لأسحر الناس من بين هذه وهذه، [أي السماء والأرض] أو إنه لرسولُ الله حقاً. ثم دعت قومها للإسلام، فأسلموا. (١)

لقد استدلت المرأة على صدق النبي - صلى الله عليه وسلم - ونبوته بما رأته من دليل باهر ومعجزة عظيمة حصلت ببركة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وكيف لا تعجب وقد شرب القوم من مائها القليل، فكفاهم رغم كثرتهم، من غيرِ أن يَنقُص شيء من مائها.

قال ابن حجر: " وقد اشتمل ذلك على عَلمٍ عظيمٍ من أعلام النبوة ... وظاهره أن جميع ما أخذوه من الماء مما زاده الله تعالى وأوجده, وأنه لم يختلط فيه شيء من مائها في الحقيقة وإن كان في الظاهر مختلِطًا, وهذا أبدعُ وأغربُ في المعجزة .. ويُحتمل أن يكون المراد: ما نَقصْنَا من مِقدار مائِك شيئاً ". (٢)

وخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في سفر آخر فقال: ((إنكم إنْ لا تدركوا الماء غداً تعطشوا)) ... ثم سار وسرنا هُنَيهةً، ثم نزل، فقال: ((أمعكم ماء؟)) قال أبو قتادة: قلتُ: نعم، معي ميضأة فيها شيء من ماء.

فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ائتني بها))، فأتيته بها، فقال: ((مَسُّوا منها، مَسُّوا منها))، فتوضأ القوم، وبقيتْ جُرعة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ازدهر بها [أي احتفظ بها] يا أبا قتادة، فإنه سيكونُ لها نبأ)) ...

يقول أبو قتادة: فلما اشتدت الظهيرة خرج لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالوا: يا رسول الله، هلكنا عطشاً، تقطعت الأعناق، فقال: ((لا هُلْكَ عليكم)). ثم قال: ((يا أبا قتادة ائت بالميضأة))، فأتيتُ بها، فقال: ((اِحلِل لي غُمري)) يعني قدَحَه، فحَللتُه، فأتيتُ به، فجعل يصبُ فيه، ويسقي الناس، فازدحم الناس عليه.


(١) رواه البخاري ح (٣٤٤)، ومسلم ح (٦٨٢).
(٢) فتح الباري (١/ ٥٤٠).

<<  <   >  >>