للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أيها الناس أحسِنوا الملَأْ، فكُلكم سيصدُر عن رِيّ))، فشرب القوم حتى لم يبق غيري وغيرَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فصب لي، فقال: ((اشرب يا أبا قتادة)). قلت: أنت يا رسول الله. قال: ((إن ساقيَ القومِ آخرُهم))، فشربتُ وشرِب بعدي، وبقي في الميضأة نحوٌ مما كان فيها، وهم يومَئذ ثلاثُ مائة. (١)

قال النووي: "وفي حديث أبي قتادة هذا معجزاتٌ ظاهراتٌ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إحداها: إخباره بأن الميضأة سيكونُ لها نبأ، وكان كذلك. الثانيةُ: تكثيرُ الماء القليل. الثالثةُ: قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((كلكم سيَرْوى)) , وكان كذلك". (٢)

وقد كان لأهل الصُّفة أضياف الإسلام نصيب من بركة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد أمر أبا هريرة - رضي الله عنه - أن يدعوهم، فحضروا جميعاً، ثم قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أبا هِر)) قال: قلت: لبيك يا رسول الله، قال: ((خذ فأعطهم)).

قال: فأخذت القدح، فجعلت أعطيه الرجل، فيشربُ حتى يَرْوى، ثم يردُّ علَيّ القدح، فأعطيه الرجلَ، فيشربُ حتى يَرْوى، ثم يرد عليّ القدح، فيشربُ حتى يروى، ثم يردّ عليّ القدح، حتى انتهيت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد رَويَ القومُ كلُهم.

فأخذ القدح، فوضعه على يده، فنظر إليّ فتبسّم، فقال: ((أبا هِرّ)) قلت: لبيك يا رسول الله، قال: ((بقيتُ أنا وأنت) قلتُ: صدقتَ يا رسول الله، قال: ((اقعد فاشرب))، فقَعَدتُ فشربتُ، فقال: ((اشرب)) فشرِبتُ، فما زال يقول: ((اشرب)) حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق، ما أجد له مسْلَكاً، قال: ((فأرني)) فأعطيته القدح، فحمِد الله وسمّى، وشرِب الفَضْلة. (٣)

قال ابن حجر: "ووقع في حديث أبي هريرة الماضي في علامات النبوة أنهم كانوا سبعين، وليس المرادُ حصرَهم في هذا العدد، وإنما هي عِدَّةُ من كان موجوداً حين القصة


(١) رواه مسلم ح (٦٨١).
(٢) شرح النووي على صحيح مسلم (٥/ ١٨٩).
(٣) رواه البخاري ح (٦٤٥٢).

<<  <   >  >>