للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وروى الحاكم عن قيس بن النعمان قال: لما انطلق النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر في الهجرة مستخْفيين من مكة؛ مرا بعبد يرعى غنماً، فاستسقَياه من اللبن، فقال: ما عندي شاة تُحلب غير أن ههنا عَناقاً حَملت أول الشتاء، وقد أخدجَت [أي أسقطت ولم تكمل حملها]، وما بقي لها لبن.

فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ادعُ بها))، فدعا بها، فاعتقلها النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومسح ضَرعها، ودعا حتى أنزلت (اللَبن) قال: فحلب - صلى الله عليه وسلم -، فسقى أبا بكر، ثم حلب، فسقى الراعي، ثم حلب فشرب.

فقال الراعي: بالله من أنت؟ والله ما رأيتُ مثلَك قط؟ قال: ((أوَ تُراكَ تكتُم عليَّ حتى أخبرْك؟)) قال: نعم. قال: ((فإني محمد رسول الله)) فقال: أنتَ الذي تزعم قريش أنه صابئ؟ قال: إنهم ليقولون ذلك.

قال: فأشهدُ أنك نبي، وأشهد أن ما جئتَ به حق، إنه لا يفعلُ ما فعلتَ إلا نبي، وأنا متبعُك. قال: ((إنك لا تستطيع ذلك اليوم. فإذا بلغك أني قد ظهرتُ فأْتِنا)). (١)

وروى الإمام أحمد في مسنده مثلَه عن ابن مسعود قال: كنت أرعى غنماً لعقبة بن أبي مُعيط، فمر بي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبو بكر فقال: ((يا غلام هل من لبن؟)) قال: قلت: نعم، ولكني مؤتمن. قال: ((فهل من شاة لم ينزُ عليها الفحل؟)) فأتيته بشاة فمسح ضروعها، فنزل لبنٌ، فحلبه في إناء، فشرب وسقى أبا بكر، ثم قال للضرع: ((اقلِص))، فقلَص.

قال ابن مسعود: ثم أتيته بعد هذا، فقلت: يا رسول الله، علمني من هذا القول. قال: فمسح رأسي، وقال: ((يرحمك الله، فإنك غُليم مُعلَّم). (٢)

قال أبو المحاسن الحنفي: "سأله شاة لم يصبها فحل، ليريه في ذلك آيةً معجزة تقوم له بها الحجة عليه وعلى غيره، وفي ذلك منفعة لصاحب الشاة بتلبين ضرعها، فلم يكن له


(١) رواه الحاكم في مستدركه (٣/ ٩). والطبراني في المعجم الكبير ح (٨٤٧) قال الهيثمي: "رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح". مجمع الزوائد (٨/ ٥٤٨).
(٢) رواه الأصبهاني في دلائله ح (٣٨)، وابن حبان في صحيحه ح (٧٠٦١).

<<  <   >  >>