للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العساكر، ولم يرد عن أحد منهم إنكارٌ على راوي ذلك، فهذا النوع ملحق بالقطعي من معجزاته". (١)

وفي يوم الحديبية عطش الناس ولم يجدوا ماء للوضوء والشراب إلا قليلاً بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في رَكْوة، فتوضأ، فتسابقوا إلى الماء لقِلَّته، فقال: ((مالكم؟)) قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأُ ولا نشربُ إلا ما بين يديك.

فوضع يده - صلى الله عليه وسلم - في الركوة، فجعل الماء يثورُ بين أصابعه كأمثال العيون، فشربنا وتوضأنا.

فسأل سالم راوي الحديث جابراً: كم كنتم؟ فقال مستنكراً: لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمسَ عشرةَ مائة [أي ألفاً وخمسَ مائة]. (٢)

قال القرطبي: "قضية نبع الماء من بين أصابعه - صلى الله عليه وسلم - تكررت منه في عدة مواطن في مشاهدَ عظيمة، ووردت من طرق كثيرة يفيد مجموعُها العلمَ القطعيَ المستفادَ من التواتر المعنوي". (٣)

وفي موضع آخر يخبرنا أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعا ذات يوم بماء، فأُتي بقدح رَحراحٍ [أي متسعِ الفم]، فجعل القوم يتوضؤون.

ويذكر لنا أنس عدد من كفاهم هذا الماء، فيقول: (فحزِرت ما بين الستين إلى الثمانين، قال أنس: فجعلت أنظرُ إلى الماء، يَنبُعُ من بين أصابعه). (٤)

قال النووي: "وأكثر العلماء أن معناه: أن الماءَ كان يخرج من نفسِ أصابعه - صلى الله عليه وسلم - , وينبُع من ذاتها. قالوا: وهو أعظم في المعجزة من نبعه من حجرٍ ... يُحتَمل أن الله كثّرَ الماء في ذاته, فصار يفور من بين أصابعه، لا من نفسِها, وكلاهما معجزةٌ ظاهرة, وآية باهرة ". (٥)


(١) فتح الباري (٦/ ٦٧٦).
(٢) رواه البخاري ح (٣٣٨٣).
(٣) فتح الباري (٦/ ٦٧٦).
(٤) رواه البخاري ح (١٩٧)، ومسلم ح (٢٢٧٩)، واللفظ له.
(٥) شرح النووي على صحيح مسلم (١٥/ ٣٨ - ٣٩).

<<  <   >  >>