للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فاعِلُه بزواله". (١) أي كأنه خرج من التسليم لقدرة الله وعظيمِ فِعله، إلى الطمع في معرفة سبب أرضي ومادي له، فانقطع لذلك.

وكما ظهرت بركة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الطعام والشراب؛ فإنها ظهرت في تكثيره لماء الوضوء حين احتاج الصحابة إليه، يقول أنس - رضي الله عنه -: (رأيتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحانت صلاةُ العصر، فالتمس الناسُ الوَضُوءَ، فلم يجدوه، فأُتي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بوَضوءٍ، فوضع رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك الإناءِ يدَه، وأمر الناس أن يتوضؤوا منه، قال أنس: فرأيتُ الماء ينبع من تحت أصابعه، حتى توضؤوا من عندِ آخرهم). (٢)

وفي رواية لأحمد من حديث ابن مسعود أنه قال: ((فرأيتُ الماءَ يتفجرُ من بين أصابع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: ((حي على الوَضُوء، والبركةُ من الله)).

قال جابر: كنا ألفاً وخمسَ مائة. (٣)

قال الطيبي: "وإنما طلب فَضْلةً من الماء كيلا يُظَنَّ أنه - صلى الله عليه وسلم - مُوجِد الماء، فإن الإيجاد إليه سبحانه، وإليه أشار بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((والبركةُ من الله)) أي أن هذا الذي رأيتم من زيادة الماء أيضاً ليس مني، إنما هو بركةٌ من الله تعالى وفضل". (٤) إنه دليلٌ آخرُ من دلائل نبوته - صلى الله عليه وسلم -.

ويروي الشيخان عن أنسِ بنِ مالكٍ شاهداً آخر من شواهد نبوته ودلائل رسالته، فيقول: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه بالزَوراء، والزَوراء موضع في المدينة.

قال أنس: فدعا - صلى الله عليه وسلم - بقدحٍ فيه ماء، فوضع كفّه فيه، فجعل ينبُع من بين أصابعه، فتوضأ جميع أصحابه، قال قتادة: كم كانوا يا أبا حمزة؟ فقال أنس: كانوا زُهاء الثلاثِ مائة. (٥)

قال القاضي عياض: "هذه القصة رواها الثقاتُ من العدد الكثير عن الجم الغفير، عن الكافّة متصلةً بالصحابة، وكان ذلك في مواطن اجتماع الكثير منهم في المحافل ومَجمَع


(١) شرح النووي على صحيح مسلم (١٥/ ٤٢).
(٢) رواه البخاري ح (١٦٩)، ومسلم ح (٢٢٧٩).
(٣) رواه أحمد ح (٣٧٩٧).
(٤) شرح المشكاة (١١/ ١٤٠).
(٥) رواه البخاري ح (٣٥٧٢)، ومسلم ح (٢٢٧٩).

<<  <   >  >>