للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال له عليه الصلاة والسلام: ((يوشك يا معاذ - إن طالت بك حياة - أن ترى ما ها هنا قد ملئ جناناً)). (١)

وفي هذا الخبر دليلان من دلائل النبوة: أولهما: تفجر العين ببركة دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم -، والآخر: إخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - بما نراه اليوم من وفرة المياه واتساع الرقعة الخضراء في منطقة تبوك.

وبعض بركة النبي - صلى الله عليه وسلم - استمر دهراً طويلاً بعد وفاته، ومن ذلك ما ترويه عائشة رضي الله عنها بقولها: توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وما في بيتي من شيء يأكله ذو كبد إلا شطرُ شعيرٍ في رفٍّ لي، فأكلتُ منه حتى طال عليَّ، فكِلْتُه ففني. (٢)

ومثل هذا الخبر يحكيه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وفيه أن رجلاً أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستطعمه، فأطعمه شطر وسق شعير، فما زال الرجل يأكل منه وامرأته وضيفَهما حتى كاله، فأتى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال عليه الصلاة والسلام: لو لم تكِلْه لأكلتم منه، ولقام لكم. (٣)

وروى مسلم أيضاً مثلَ هذا الخبر في قصة أم مالك، وكانت تهدي سمناً للنبي - صلى الله عليه وسلم - في عُكّة لها، فيأتيها بَنوها، فيسألون الأُدْم [أي ما يؤتدَم به الخبز، وهو ما يسمى في أيامنا إداماً]، وليس عندهم شيء، فتعمد إلى الذي كانت تهدي فيه للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فتجد فيه سمناً، فما زال يقيم لها أُدْمَ بيتِها حتى عصرَته، فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((عصرتيها؟)) قالت: نعم قال: ((لو تركتيها ما زال قائماً)). (٤)

قال النووي: " قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لو تركتيها ما زال قائماً)) أي موجوداً حاضراً".

ثم بيّنَ رحمه الله سبب فناء سمنِ العُكّة والشعير حين عُصِرت أو كِيل، فقال: "الحكمة في ذلك أن عصرَها وكَيْلَه مضادةٌ للتسليم والتوكل على رزق الله تعالى, ويتضمن التدبيرَ, والأخذَ بالحول والقوة, وتكلُفَ الإحاطةِ بأسرار حِكم الله تعالى وفضله , فعوقب


(١) رواه مسلم ح (٧٠٦).
(٢) رواه البخاري ح (٣٠٩٧)، ومسلم ح (٢٩٧٣).
(٣) رواه مسلم ح (٢٢٨١).
(٤) رواه مسلم ح (٢٣٨٠).

<<  <   >  >>