للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال المُزني: "نبع الماء من بين أصابعه - صلى الله عليه وسلم - أبلغ في المعجزة من نبعَةِ الماء من الحجر حيث ضربه موسى عليه السلام بالعصا، فتفجرت منه المياه، لأن خروج الماء من الحجارة معهود، بخلاف خروجه من بين اللحم والدم ".

وصدق القائل:

وإن كان موسى أنبع الما من العصا ... فمن كفه قد أصبح الماء يطفح

وقال القرطبي: "هذه المعجزة تكررت من النبي - صلى الله عليه وسلم - مرات عديدة في مشاهد عظيمة، وجموع كثيرة، بلغتنا بطرقٍ صحيحة من رواية أنس، وعبد الله بن مسعود، وجابر، وعمران بن حصين، وغيرهم ممن يحصل بمجموع أخبارهم العلم القطعي المستفاد من التواتر المعنوي، وبهذا الطريق حصل لنا العلم بأكثر معجزاته الدالة على صدق رسالاته". (١)

وفي موقف آخر يرويه البخاري في صحيحه نزل النبي - صلى الله عليه وسلم - بالناس يوم الحديبية بأقصاها على ثَمَد قليلِ الماء يتبرَّضُه الناس تبرُضاً، فلم يلبث الناس حتى نزحوه، وشُكي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العطشُ، فانتزع سهماً من كِنانته، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه، فوالله ما زال يجيش لهم بالرَّي، حتى صدروا عنه.

قال ابن حجر: " وفي هذا الفصل معجزاتٌ ظاهرة , وفيه بركةُ سلاحه وما ينسب إليه, وقد وقع نبعُ الماء من بين أصابعه في عِدة مواطن ". (٢)

ولما أتى معاذ بن جبل - رضي الله عنه - عين تبوك مع رسول الله، رأى قلة مائها فوصفها، فقال: والعين مثل الشِراك تَبِضُّ (٣) بشيء من ماء، فجعل الصحابة يغرفون بأيديهم من العين قليلاً قليلاً حتى اجتمع لهم شيء من مائها.

قال معاذ: وغسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه يديه ووجهه، ثم أعاده فيها، فجرت العين بماء منهمر - أو قال: غزير - حتى استقى الناس.


(١) المفهِم لما أُشكل من تلخيص كتاب مسلم (٦/ ٥٢ - ٥٣)، وانظر: شرح النووي على صحيح مسلم (١٥/ ٣٨).
(٢) فتح الباري (٥/ ٣٩٧).
(٣) أي تسيل كالخيط الذي يربط به النعل، لقلة مائها.

<<  <   >  >>