للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال النووي عن أمثال هذه المعجزات: " تواترت على المعنى كتواتُرِ جودِ حاتِمِ طيئ وحِلمِ الأحنفِ بنِ قيس, فإنه لا ينقل في ذلك قصةٌ بعينِها متواترة, ولكن تكاثرت أفرادُها بالآحاد, حتى أفاد مجموعُها تواترَ الكرمِ والحِلْم [أي لحاتم والأحنف] , وكذلك تواترُ انخراقِ العادةِ للنبي - صلى الله عليه وسلم - بغيرِ القرآن". (١)

ومن هذه الأخبار ما جاء في حديث مسلم عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في سفر مع أصحابه، فقال: ((يا جابر ناد بوَضوء) فقلت: ألا وَضوء؟ ألا وَضوء؟ ألا وَضوء؟

ولما لم يردَّ أحد قلتُ يا رسول الله، ما وجدتُ في الركبِ من قطْرة، وكان رجل من الأنصار يبرِّد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - الماء في أشْجابٍ له.

قال جابر: فقال لي: ((انطلق إلى فلان ابن فلان الأنصاري، فانظر هل في أشجابه من شيء؟)) فانطلقتُ إليه، فنظرت فيها، فلم أجد فيها إلا قطرة، لو أني أُفرِغُه لشرِبه يابِسه [أي يابسُ السِقاء لقلة مائه]، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله، إني لم أجد فيها إلا قطرة ...

قال: ((اذهب، فأتني به))، فأتيته به، فأخذه بيده، فجعل يتكلم بشيء لا أدري ما هو ويغمزه بيديه، ثم أعطانيه فقال: ((يا جابر نادِ بجفْنَة)) [وهي إناء كبير] ... فأُتيتُ بها تُحمل، فوضعتُها بين يديه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده [أي وضعها] في الجفنَة هكذا، فبسطها، وفرق بين أصابعه، ثم وضعها في قعر الجفنة.

وقال: ((خذ يا جابر، فصُب عليَّ [أي قطرة الماء التي وجدتها عند الأنصاري]، وقل: باسم الله))، فصببتُ عليه، وقلت: باسم الله.

فرأيت الماء يفور من بين أصابع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم فارت الجفنة [بالماء]، ودارت حتى امتلأت فقال: ((يا جابر، ناد من كان له حاجةٌ بماء)) قال: فأتى الناس، فاستقوا حتى رووا.

فقلتُ: هل بقي أحدٌ له حاجة؟ فرفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده من الجفنة وهي ملأَى. (٢)


(١) شرح النووي على صحيح مسلم (١٢/ ٣٥).
(٢) رواه مسلم ح (٣٠١٤).

<<  <   >  >>