للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول أنس بن مالك: فرفع يديه، وما نرى في السماء قزْعة [أي قطعة من السحاب]، فوالذي نفسي بيده ما وضعهما حتى ثار السحاب أمثال الجبال, ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته - صلى الله عليه وسلم - , فمُطرنا يومنا ذلك ومن الغد، وبعد الغد، والذي يليه، حتى الجمُعَة الأخرى.

وفي الجمعة الأخرى قام ذلك الأعرابي، أو قال: غيره، فقال: يا رسول الله، تهدم البناء، وغرق المال، فادع الله لنا، فرفع يديه فقال: ((اللهم حوالينا ولا علينا)).

يقول أنس: فما يشير بيده إلى ناحيةٍ من السحاب إلا انفرجت، وصارت المدينة مثل الجَوْبة، وسال الوادي قناة (١) شهراً، ولم يجاء أحدٌ من ناحيةٍ إلا حدّث بالجُوْد". (٢)

لقد نزل المطر بدعائه - صلى الله عليه وسلم - واستمر أسبوعاً، ثم توقف بدعائه - صلى الله عليه وسلم - بعد أسبوع من هطوله، كما انفرجت السحابة عن المدينة لقوله: ((اللهم حوالينا ولا علينا))،، أليس ذلك كلُه من أمارات نبوته وعلامات صدقه؟

قال النووي: "ومراده بهذا؛ الإخبار عن معجزة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعظيم كرامته على ربه سبحانه وتعالى، بإنزال المطر سبعة أيام متوالية متصلاً بسؤاله من غير تقديم سحاب ولا قزَع، ولا سببٍ آخر، لا ظاهرٍ ولا باطن". (٣)

وقال ابن حجر: "وفيه عَلَمٌ من أعلام النبوة في إجابة الله دعاء نبيه عليه الصلاة والسلام عقِبه أو معَه، ابتداء في الاستسقاء، وانتهاء في الاستصحاء، وامتثال السحاب أمره بمجرد الإشارة". (٤)

وصدق من قال:

دعا اللهَ خالقَه دعوة ... أُجيبتْ وأشخَص منه البصر

ولم يك إلا كقلب الرداء ... وأسرعَ حتى رأينا المطر


(١) الجوبة: هي الحفرة المستديرة الواسعة، والمراد بها هنا الفُرجة في السحاب، ووادي القناة اسم لوادٍ مشهور من أودية المدينة. انظر فتح الباري (٢/ ٤٧٩).
(٢) رواه البخاري ح (١٠١٣)، ومسلم ح (٨٩٧) واللفظ له.
(٣) شرح صحيح مسلم (٦/ ١٩٢).
(٤) فتح الباري (٢/ ٤٨٠).

<<  <   >  >>