وصور حماية الله لنبيه - صلى الله عليه وسلم - كثيرة، منها أن قريشاً اجتمعت في الحِجر، فتعاقدوا باللاتِ والعزى ومناة الثالثةِ الأخرى، لو قد رأينا محمداً، قمنا إليه قيام رجل واحد، فلم نفارقْه حتى نقتلَه.
فأقبلت ابنته فاطمة رضي الله تعالى عنها تبكي، حتى دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: هؤلاء الملأ من قريش قد تعاقدوا عليك، لو قد رأوك لقد قاموا إليك فقتلوك، فليس منهم رجل إلا قد عَرف نصيبه من دمك.
فقال:((يا بنية، أريني وَضوءاً)) فتوضأ، ثم دخل عليهم المسجد، فلما رأوه قالوا: ها هو ذا. وخفضوا أبصارهم، وسقطت أذقانهم في صدورهم، وعقِروا في مجالسهم، فلم يرفعوا إليه بصراً، ولم يقم إليه منهم رجل.
فأقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى قام على رؤوسهم، فأخذ قبضة من التراب، فقال:((شاهت الوجوه)) ثم حصَبهم بها، يقول ابن عباس: فما أصاب رجلاً منهم من ذلك الحصى حصاةً إلا قُتل يوم بدر كافراً. (١)
الله أكبر، قريشٌ بخُيلائها وكِبْرِها تتعاهد على قتل رجل أعزل، وتقسم على ذلك بآلهتها، ثم لا يقوم منهم واحد لتنفيذ عزمتهم، بل قام - صلى الله عليه وسلم - على رؤوسهم يحصِبُهم بالحصى متحدياً عجزهم، مبيناً سِفالَ أمرهم وهوانَه، وكيف لا؟ والله العظيم يؤيده ويقويه، فيقول:{والله يعصمك من الناس}(المائدة: ٦٧).
وأما أبو جهل فرعون هذه الأمة فقد رام أيضاً قتل النبي - صلى الله عليه وسلم -، حين أقبل يختال ذات يوم في جنبات مكة فقال: هل يعفِّر محمدٌ وجهَه بين أظهرِكم [يعني بالسجود والصلاة]؟ فقيل: نعم.
فقال: واللاتِ والعزى، لئن رأيتُه يفعلُ ذلك لأطأنَّ على رقَبَتِه، أو لأعفِّرنَّ وجهَه في التراب.
(١) رواه أحمد في المسند ح (٢٧٥٧) والحاكم في مستدركه (٣/ ١٧٠)، وصححه الهيثمي في مجمع الزوائد (٨/ ٢٢٨).