للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأتى رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي، زعمَ ليطأَ على رقَبَتِه، قال: فما فجِئهم منه إلا وهو ينكُص على عقبيه، ويتقي [أي يحتمي] بيديه.

فقيل له: مالك؟ فقال: إن بيني وبينه لخندقاً من نارٍ وهوْلاً وأجنحة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لو دنا مني لاختطفته الملائكةُ عُضواً عضواً)). (١)

وهذه معجزة عظيمة رآها عدو الإسلام أبو جهل، فقد رأى أجنحة ملائكة الله وهي تحمي النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأيقن بأن الله حماه بجنده وعونه، لكن منعه الكِبْرُ وحبُ الزعامة والحرصُ عليها من الإذعان للحق والانقياد له، فحاله وحال غيرِه من المشركين كما قال الله: {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} (الأنعام: ٣٣).

قال النووي: "ولهذا الحديث أمثلة كثيرة في عصمته - صلى الله عليه وسلم - من أبي جهل وغيرِه , ممّن أراد به ضرراً, قال الله تعالى: {والله يعصمك من النّاس} ". (٢)

وكما حمت الملائكة النبي - صلى الله عليه وسلم - من أبي جهل، فقد تنزلت لحمايته يوم أُحد، حين أطبق عليه المشركون، وتفرق عنه أصحابه منهزمين، ففي الصحيحين يقول سعدُ بن أبي وقاص - رضي الله عنه -: (رأيت عن يمين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعن شماله يوم أُحدٍ رجُلَين، عليهما ثيابٌ يَيَاض، ما رأيتهما قبلُ ولا بعد). يعني جبريلَ وميكائيلَ عليهما السلام. (٣)

قال النووي: "فيه بيان كرامةِ النبي - صلى الله عليه وسلم - على الله تعالى، وإكرامِه إياه بإنزال الملائكة تقاتل معه، وبيانُ أن الملائكة تقاتِل، وأن قتالَهم لم يَختصَّ بيوم بدر". (٤)

ولم يتوان المشركون من أقرباء النبي - صلى الله عليه وسلم - عن إيذائه والكيد له، ومن ذلك أنه لما نزل قوله تعالى: {تبت يدا أبى لهبٍ وتب} (المسد: ١)، جاءت أم جميلٍ، امرأةُ عمه أبي لهب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعه أبو بكر، فلما رآها أبو بكر قال: يا رسول الله، إنها امرأة بذيئة، وأخاف أن تؤذيَك، فلو قُمت، قال: ((إنها لن تراني)).


(١) رواه مسلم ح (٢٧٩٧).
(٢) شرح مسلم على صحيح النووي (١٧/ ١٤٠).
(٣) رواه البخاري ح (٤٠٥٤)، ومسلم ح (٢٣٠٦).
(٤) شرح صحيح مسلم (١٥/ ٦٦).

<<  <   >  >>