للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فجاءت أم جميل، فقالت لأبي بكر: إن صاحبك هجاني! قال: لا، وما يقول الشعر، قالت: أنت عندي مُصَدق، وانصرفت، فقال أبو بكر: يا رسول الله، لم ترَك؟! قال: ((لا، لم يزل ملك يسترني عنها بجناحه)). (١)

وكذا أرادت قريش أن تقتل النبي - صلى الله عليه وسلم - مراراً قبل هجرته، لكن الله نجاه منهم وحماه، فلما عزم النبي - صلى الله عليه وسلم - على الخروج من مكة مهاجراً، رصدوا له على باب بيته، فخرج عليه الصلاة والسلام من بينهم، وقد أعمى الله أبصارهم عنه، فلم يروه حال خروجه. (٢)

وفي هذا يقول سبحانه: {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين} (الأنفال:٣٠)، لقد رد الله مكرهم في نحورهم، ونجى نبيه عليه الصلاة والسلام.

وخرج - صلى الله عليه وسلم - من مكة مستخفياً تحوطه عناية الله، حتى وصل وصاحبُه إلى غار ثور، واختبآ فيه عن أعين المشركين الذين جدّوا بالبحث عنه حتى وصلوا إلى الغار، ووقفوا ببابه، وظن أبو بكر - رضي الله عنه - الهلكة، فقال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: لو أن أحدهم نظر إلى تحت قدميه لأبصرنا، فأجابه النبي - صلى الله عليه وسلم - بلسان الواثقِ من ربه، المتوكل عليه، العالمِِِِ بأنه لا يسْلمه إلى مرام أعدائه: ((ما ظنّك يا أبا بكر باثنين الله ثالثُهما؟)). (٣)

نعم فالله معه ينصره ويحميه {إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنودٍ لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هى العليا والله عزيز حكيم} (التوبة:٤٠).

وهكذا نجّى النبي - صلى الله عليه وسلم - من بين أيديهم، واتجه صوب المدينة المنورة من جديد، تحوطُه رعاية الله، وتكلؤه عنايته.


(١) رواه أبو يعلى في مسنده ح (٢٣٥٨)، والبزار ح (٢٢٩٤)، وصححه ابن حبان ح (٦٥١١).
(٢) انظر الروض الأنف في شرح سيرة ابن هشام، للسهيلي (٤/ ١٧٨).
(٣) رواه البخاري ح (٣٦٥٣)، ومسلم ح (٢٣٨١).

<<  <   >  >>