للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما قريش فلم تستسلم، ولم تفتر عزيمتُها في محاولة قتلِ النبي - صلى الله عليه وسلم - والنيلِ منه، فأرسلوا إلى قبائل العرب يضعون لهم الجوائز إن همُ قتلوا النبيَ - صلى الله عليه وسلم - وصاحبَه، لكنهما كانا يسيران في حفظ الله ورعايته.

وجاز النبي قُديداً، فأدركه سراقة بن مالك، يقول الصديق - رضي الله عنه -: وتبِعنا سراقة بن مالك، ونحن في جَلَدٍ من الأرض [أي في أرض صلبة]، فقلت: أُتينا يا رسول الله, فقال: ((لا تحزن, إن الله معنا)) فدعا عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فارتطمت فرسه إلى بطنها.

وفي رواية للبخاري يروي سراقة الخبر فيقول: (حتى إذا سمعت قراءة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو لا يلتفت، وأبو بكر يكثر الالتفات - ساخت يدا فرسي في الأرض، حتى بلغتا الركبتين، فخَرَرت عنها، ثم زجرتُها فنهضتْ، فلم تكَد تُخرج يديها، فلما استوت قائمة إذا لأثَرِ يديها عُثانٌ ساطع في السماء مثل الدخان ... ). (١)

فقال سراقة: (إني قد علمت أنكما قد دعوتما عليّ، فادعوَا لي، فاللهَ لكما أن أرُدّ عنكما الطلب، فدعا - صلى الله عليه وسلم - اللهَ فنجا، فرجع لا يلقى أحداً من الطَلَب إلا قال: قد كُفيتكم ما ها هنا، فلا يلقى أحداً إلا ردّه). (٢)

قالَ أنس: (فكان أوَّل النهار جاهداً على نبي اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، وكان آخرَ النهار مَسْلَحةً له). (٣)

فكان إنجاء الله نبيه من بين يدي سراقة سبباً في إسلامه وذوده عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال - رضي الله عنه - وهو يخاطب أبا جهل:

أبا حكمٍ والله لو كنتَ شاهداً لأمر جوادي إذ تسوخُ قوائمه

علمتَ ولم تَشْكُك بأن محمداً رسولٌ ببرهانٍ فمن ذا يقاومه (٤)

ولما رجع مشركو مكة من بدر مدحورين - بقوة الله -، أقبل عمير بن وهب حتى جلس إلى صفوان بن أمية في الحِجِر، فقال صفوان: قبَّح اللهُ العيش بعد قتلى بدر.


(١) رواه البخاري ح (٣٩٠٦).
(٢) رواه البخاري ح (٣٦١٥)، ومسلم ح (٢٠٠٩).
(٣) رواه البخاري ح (٣٩١١).
(٤) فتح الباري (٧/ ٢٨٦).

<<  <   >  >>