فقال عمير: أجل والله ما في العيش خيرٌ بعدَهم، ولولا دينٌ عليَّ لا أجد له قضاء، وعيالٌ لا أدع لهم شيئاً، لرحلت إلى محمد فقتلتُه إن ملأتُ عينيّ منه، فإن لي عنده عِلّة أعتل بها عليه، أقول: قدِمت من أجل ابني هذا الأسير.
ففرح صفوان بإقدام عمير وخُطته، ومضى يزيل عوائق تنفيذها، فقال: علي دينُك، وعيالُك أُسوةُ عيالي في النفقة، لا يسعني شيء فأعجزُ عنهم.
وقدم عمير المدينة، فنزل بباب المسجد، وعَقَل راحلته، وأخذ السيف، وعمَد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فنظر إليه عمر وهو في نفر من الأنصار، ففزع ودخل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله لا تأمنه على شيء.
فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أدخله علي)).
فخرج عمر، فأمر أصحابه أن يدخلوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويحترسوا من عمير، وأقبل عمر وعمير حتى دخلا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومع عمير سيفُه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعمر:((تأخر عنه)).
فلما دنا عمير قال له:((ما أقدمك يا عمير؟)) قال: قدِمت على أسيري عندكم، تفادونا في أسرانا، فإنكم العشيرة والأهل.
فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ما بال السيف في عنقِك؟)). فأجاب عمير: قبحها الله من سيوف، وهل أغنت عنا شيئاً؟ إنما نسيته في عنقي حين نزلت.
فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اصدقني، ما أقدمك يا عمير؟)). فقال: ما قدمت إلا في طلب أسيري.
فبغته النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله:((فماذا شرطتَ لصفوان في الحِجر؟))، ففزع عمير وقال: ماذا شرطتُ له؟
فأجاب من علَّمه الله الخبير فقال:((تحمّلْتَ له بقتلي؛ على أن يعول أولادَك، ويقضيَ دَيْنَك، واللهُ حائلٌ بينك وبين ذلك)).