وَمن أَيْن كَانَ فشوها مَعَ الإحتياط فِي طيها نعم وَمَعَ الْخَوْف الْعَارِض فِي نشرها والندم الْوَاقِع من ذكرهَا وَالْمَنَافِع الْفَائِتَة والعواقب المخوفة والأسباب المتلفة الْجَواب: قَالَ أَبُو عَليّ مسكويه - رَحمَه الله: قد تبين فِي المباحث الفلسفية أَن للنَّفس قوتين فَهِيَ بِالْقُوَّةِ الآخذة تستثيب المعارف وتشتاق إِلَى تعرف الْأَخْبَار وَبهَا يُوجد الصّبيان أول نشوئهم محبين لسَمَاع الخرافات فَإِذا تكهلوا أَحبُّوا معرفَة الْحَقَائِق. وَهَذِه الْقُوَّة هِيَ انفعال وشوق إِلَى الْكَمَال الَّذِي يخص النَّفس. وَهِي بِالْقُوَّةِ المعطية تفيض على غَيرهَا مَا عِنْدهَا من المعارف وتفيده الْعُلُوم الْحَاصِلَة لَهَا وَهَذِه الْقُوَّة لَيست انفعالاً بل فاعلة. وَهَاتَانِ القوتان موجودتان للنَّفس بِالذَّاتِ لَا بِالْعرضِ. فَكل إِنْسَان يحرص بِإِحْدَى قوتيه على الْفِعْل وَهُوَ الْإِعْلَام وبالأخرى على الانفعال وَهُوَ الاستعلام. وَلما كَانَ ذَلِك كَذَلِك لم يُمكن أَن ينفعل المنفعل وَلَا يفعل الْفَاعِل وَلَا أَن يفعل الْفَاعِل وَلَا ينفعل المنفعل لِأَنَّهُمَا جَمِيعًا للنَّفس بِالذَّاتِ. فقد ظهر السَّبَب الدَّاعِي إِلَى إِخْرَاج السِّرّ وَهُوَ أَن النَّفس لما كَانَت وَاحِدَة واشتاقت بِإِحْدَى قوتيها إِلَى الاستعلام واشتاقت بِالْأُخْرَى إِلَى الْأَعْلَام - لم ينكتم سر بتة. وَهَذَا هُوَ تَدْبِير إلهي عَجِيب وَمن أَجله نقلت الْأَخْبَار الْقَدِيمَة وحفظت قصَص الْأُمَم وعني المتقدمون بتدوين ذَلِك وحرص الْمُتَأَخّرُونَ على نَقله وقراءته. وَلذَلِك ضرب الْحُكَمَاء فِيهِ الْمثل، وحزموا عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute