وَالرجل الْفَاضِل الصَّالح لَا يشتاق من أشرف أَسْنَانه إِلَى أخسها. وَالدَّلِيل الْبَين على أَن الْأَمر على مَا حكيناه - أَن الشَّاب الْعَفِيف الضَّابِط لنَفسِهِ القوى على قمع شهواته مسرور بسيرته وَإِن كَانَ فِي جهد عَظِيم ومحكوم لَهُ بِالْفَضْلِ مشهود لَهُ بِهِ عِنْد جَمِيع أهل الْعقل وَأَنه إِذا كبر وأسن لم يشتق إِلَى الشَّبَاب لِأَن ضَبطه لنَفسِهِ وقمعه لشهواته أيسر عَلَيْهِ وأهون. وَمن كَانَ فلسفي الطَّرِيق شريعي الْمَذْهَب لم تعرض لَهُ هَذِه الْعَوَارِض - أعنى التلهف على نيل اللَّذَّات والأسف على مَا يفوتهُ مِنْهَا والندم على مَا ترك وَقصر فِيهَا - بل يعلم أَن تِلْكَ انفعالات خسيسة تَقْتَضِي أفعالاً دنيئة وَأَن الْحُكَمَاء - رضى الله عَنْهُم - قد بينوا رذائلها وسطروا الْكتب فِي ذمها وَأَن الْأَنْبِيَاء - صلوَات الله عَلَيْهِم - قد نهوا عَنْهَا وحذروا مِنْهَا وَكتب الله - تَعَالَى وتقدس - ناطقة بِجَمِيعِ ذَلِك مصدقة لَهُ. فَأَي شوق يحدث للفاضل إِلَى النَّقْص وللعالم إِلَى الْجَهْل وللصحيح إِلَى الْمَرَض وَإِنَّمَا تِلْكَ أَعْرَاض تعرض للجهال الَّذين غايتهم الانهماك فِي الطبيعة والحواس وَطلب ملاذها الكاذبة لَا التمَاس الصِّحَّة وَلَا بُلُوغ السَّعَادَة وَلَا تَكْمِيل الْفَضِيلَة الإنسانية وَلَا مُعْتَبر بهؤلاء وَلَا الْتِفَات إِلَى أَقْوَالهم وأفعالهم.
(مَسْأَلَة مَسْأَلَة خلقية لم اقْترن الْعجب بالعالم)
وَالْعلم يُوجب خلاف ذَلِك من التَّوَاضُع والرقة وتحقير النَّفس والزراية عَلَيْهَا بِالْعَجزِ الْجَواب: قَالَ أَبُو عَليّ مسكويه - رَحمَه الله - أما الْعَالم الْمُسْتَحق لهَذِهِ السمة فَلَيْسَ يلْحقهُ الْعجب وَلَا يبلي بِهَذِهِ الآفة وَكَيف يبلي بهَا وَهُوَ يعرف سَببهَا؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute