للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَهنا خلة لَا بَأْس بذكرها والتنبيه عَلَيْهَا فَإِن كثيرا من النَّاس يضل عَن وَجه الصَّوَاب فِيهَا وَهِي أَن الْغيرَة إِذا هَاجَتْ قوتها وَكَانَ سَببهَا الشَّهْوَة وَجب الاستئثار وَأَن يخْتَص الْإِنْسَان بِحَال لَا يُشَارِكهُ فِيهَا غَيره وَكَانَ هَذَا الْعَارِض لَهُ فِي غير حرمته وَلَا من أجل حفظ نسبه وزرعه - فَهُوَ أَمر قَبِيح. وَإِن كَانَت على شرائطها الَّتِي ذكرت فَهُوَ أَمر حسن جميل. وَأما سُقُوط هَذِه الْقُوَّة دفْعَة فهجنة قبيحة فقد نجد فِي بعض الْحَيَوَان من لَا تعرض لَهُ الْغيرَة كَالْكَلْبِ والتيس ويسب بِهِ الْإِنْسَان إِذا ذكر بِهِ وَسمي باسمه. ونجد أَيْضا بَعْضهَا غيوراً محامياً كالكبش وَغَيره من فحول الْحَيَوَان فيمدح بِذكرِهِ الْإِنْسَان إِذا شبه بِهِ وَسمي باسمه. فلست اعرف وَجه السب بالتيس والمدح بالكبش إِلَّا لما يظْهر من هَذَا الْخلق فِي أَحدهمَا دون الآخر. فَهَذِهِ حَال الْغيرَة وحقيقتها وَمَا يجب أَن يمدح مِنْهَا أَو يذم.

(مَسْأَلَة مَا السَّبَب فِي أَن الَّذين يموتون وهم شُبَّان أَكثر من الَّذين يموتون وهم شُيُوخ)

الشَّاهِد على ذَلِك أَنَّك تَجِد الشُّيُوخ أقل وَلَوْلَا ذَلِك لكانوا يكثرون لأَنهم كَانُوا يتجاوزون الشبيبة إِلَى الكهولة والكهولة إِلَى الشيخوخة فَلَمَّا دب الْحمام فِي ذَوي الشَّبَاب أفناهم وتخطى الْقَلِيل مِنْهُم فبلغوا التشيخ وَهُوَ قَلِيل.

<<  <   >  >>