(مَسْأَلَة لم صَار الْيَقِين إِذا حدث وطرأ لَا يثبت وَلَا يسْتَقرّ)
وَالشَّكّ إِذا عرض أرسى وربض يدلك على هَذَا أَن الموقن بالشَّيْء مَتى شككته نزا فُؤَاده وقلق بِهِ والشاك مَتى وقفت بِهِ وأرشدته وَأهْديت الْحِكْمَة إِلَيْهِ لَا يزْدَاد إِلَّا جموحاً وَلَا ترى مِنْهُ إِلَّا عتواً ونفوراً. الْجَواب: قَالَ أَبُو عَليّ مسكويه - رَحمَه الله: أَظن السَّائِل عَن الْيَقِين لم يعرف حَقِيقَته وَظن ان لَفْظَة الْيَقِين تدل على الْمعرفَة الْمُرْسلَة أَو على الْإِقْنَاع الْيَسِير. وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك فَإِن مرتبَة الْيَقِين أَعلَى مرتبَة تكون فِي الْعلم وَلَيْسَ يجوز أَن يطْرَأ عَلَيْهِ شكّ بعد أَن صَار يَقِينا. وَكَذَلِكَ من علم أَن زَوَايَا المثلث مُسَاوِيَة لقائمتين لَيْسَ يجوز أَن يشك فِيهِ. وَهَذِه سَبِيل الْعُلُوم المتيقنة بالبراهين وبالأوائل الَّتِي بهَا تعلم الْبَرَاهِين. فَأَما مَا دون الْيَقِين فمراتبه كَثِيرَة على مَا بَين فِي كتاب الْمنطق. والشكوك تعترض كل مرتبَة بِحَسب منزلتها من الْإِقْنَاع. وَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك فَلَيْسَ يرد قلب الْمُتَيَقن - أبدا - شكّ ينزو مِنْهُ فُؤَاده بل قار وادع لَا تحرّك مِنْهُ الشكوك بتة. فَأَما مَا ذكرته من أَن الشاك إِذا أرشد وَأهْديت لَهُ الْحِكْمَة لَا يزْدَاد إِلَّا جموحاً فَإِن ذَلِك يعْتَرض لأحد شَيْئَيْنِ: إِمَّا لِأَن المرشد لم يتأت للشاك وَلم يدرجه إِلَى الْحِكْمَة فَحَمله مَا لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute