والعليل يحس قبيل وَقت النّوبَة إِذا كَانَ من عُضْو غير الْمعدة كَأَن شَيْئا ينشأ من هُنَاكَ وينجذب إِلَى فَوق فيربط الطَّبِيب ذَلِك الْموضع ويلف عَلَيْهِ عصائب قَوِيَّة ليمنع البخار من الصعُود إِلَى الدِّمَاغ. وَلما كَانَ الصَّبِي ضَعِيف الدِّمَاغ رطبه كَانَ سَرِيعا إِلَى قبُول البخارات وحرارته فِي النشوء معمورة بِكَثْرَة الرطوبات وَلَيْسَ البخار بِشَيْء أَكثر رُطُوبَة كَثِيرَة تضعف الْحَرَارَة عَن تحليلها وإحالتها فَلذَلِك كثرت البخارات فِي رَأسه فَحدثت مِنْهُ السدد الَّتِي ذَكرنَاهَا. والطبيب الماهر لَا يعالج الصَّبِي بِشَيْء من أدوية الصرع بل يتْركهُ ويداوي الْموضع بإصلاح الْغذَاء فَإِن الطبيعة إِذا قويت وجف فضول الرطوبات عَن جَمِيع الْبدن وذكت الْحَرَارَة - زَالَ الصرع لنَفسِهِ لزوَال السَّبَب أَعنِي البخار الْكثير ولصلابة جَوْهَر الدِّمَاغ وَقلة قبُوله الْآفَات الَّتِي كَانَ سَببهَا رطوبته وَضَعفه وَإِنَّمَا غَايَة الطَّبِيب إصْلَاح اللَّبن للمرضعة بالغذاء الَّذِي يعدله حسب. فَأَما الطاعن فِي السن فَإِن أمره بالضد لِأَن ضعف آلاته كلهَا يكون من قبل الانحطاط وَضعف القوى والأعضاء وَلَيْسَ ينْتَظر بهَا أَن تتزيد فِي الْقُوَّة بل هِيَ فِي كل يَوْم إِلَى النُّقْصَان والضعف فَإِذا قبل دماغه بخاراً غليظاً من نَفسه أَو من عُضْو آخر صَار مغيضاً لَهُ وازداد فِي كل نوبَة قبولاً. والحرارة الَّتِي هِيَ سَبَب تخلخل البخارات أَيْضا تضعف عَن التَّحْلِيل فَلذَلِك يَقع الْيَأْس مِنْهُ. وَمن شَأْن الْمَادَّة الَّتِي تَنْصَرِف إِلَى مَوضِع الْبدن إِذا عاودته مرَارًا أَن تتسع لَهَا المجارى وتلزمها الطبيعة بِالْعَادَةِ الَّتِي ذَكرنَاهَا فِي الْمَسْأَلَة الْمُتَقَدّمَة. فالآلة تزداد ضعفا والمادة تزداد انصباباً والبخار يزْدَاد كَثْرَة للرطوبة الغريبة الَّتِي تحدث فِي أبدان المستعدين لَهَا واستحالتها بلغماً فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute