للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أَي شَيْء ينحو فِيمَا يقْصد وَيَنْوِي وَمَا الَّذِي ينْتَصب أَمَامه ويستهلك حصافته ويذهله عَن روح مألوفة وَنَفس معشوقة وحياة عزيزة وَمَا الَّذِي يُوهِمهُ من الْعَدَم حَتَّى يسلبه من قَبْضَة الوجدان ويسلمه إِلَى صرف الْحدثَان. الْجَواب: قَالَ أَبُو عَليّ مسكويه - رَحمَه الله: الْإِنْسَان مركب من ثَلَاث قوى نفسانية وَهُوَ كالواقف بَينهَا تجذبه هَذِه مرّة وَهَذِه مرّة. وبحسب قُوَّة إِحْدَاهَا على الْأُخْرَى يمِيل بِفِعْلِهِ فَرُبمَا غلبت عَلَيْهِ الْقُوَّة الغضبية فَإِذا انصبغ بهَا وَمَا بِفِعْلِهِ إِلَيْهَا ظَهرت قوته كلهَا كَأَنَّهَا غضب وخفيت القوى الْأُخْرَى حَتَّى كَأَنَّهَا لم تُوجد لَهُ وَكَذَلِكَ إِذا هَاجَتْ بِهِ الْقُوَّة الشهوية خفيت آثَار القوى الْأُخَر. وأحصف مَا يكون الْإِنْسَان وَأحسنه حَالا إِذا غلبت عَلَيْهِ الْقُوَّة الناطقة فَإِن هَذِه الْقُوَّة هِيَ المميزة الْعَاقِلَة الَّتِي ترَتّب القوى الْأُخْرَى حَتَّى تظهر أفعالها بِحَسب مَا تحده وترسمه. وَالْإِنْسَان حِينَئِذٍ نَازل بالمنزلة الْكَرِيمَة بِحَيْثُ هيأه الله تَعَالَى وكما أَرَادَهُ. فَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك فَغير مُنكر أَن يهيج بالإنسان بعض تِلْكَ القوى مِنْهُ عِنْد التواء أَمر عَلَيْهِ أَو انسداد بَاب دون مطلب لَهُ فَيظْهر مِنْهُ فعل لَا توجبه روية وَلَا يَقْتَضِيهِ تَمْيِيز لخلفاء أثر الْقُوَّة الناطقة واستيلاء الْقُوَّة الْأُخْرَى. وَأَنت تَجِد ذَلِك عيَانًا عِنْد الْأَحْوَال الْمُخْتَلفَة بك فَإنَّك تَجِد نَفسك فِي أَوْقَات على أَحْوَال مُؤثرَة لَهَا قاصدة إِلَيْهَا غير مصغية إِلَى نصيح وَلَا قَابِلَة أَمر سديد حَتَّى إِذا أَفَقْت من تِلْكَ السكرة الَّتِي غلبت عَلَيْك فِي تِلْكَ الْحَال - عجبت من الْأَفْعَال الَّتِي ظَهرت مِنْك وَأنْكرت نَفسك فِيهَا وَكَأن غَيْرك

<<  <   >  >>