غَرَض أهل زَمَاننَا من الْعَمَل هُوَ إثارة الشَّهَوَات القبيحة وإعانة النَّفس البهيمية على النَّفس المميزة حَتَّى تتَنَاوَل لذاتها من غير تَرْتِيب الْعقل وترخيصه فِيهَا. وَإِذا كَانَ قَصده لذَلِك بآلات طبيعية فَهُوَ - لَا محَالة - يضم إِلَيْهِ كلَاما ملائماً لَهُ يؤلف مِنْهُ تِلْكَ النغم فِي ذَلِك الْإِيقَاع. فَإِن كَانَ - أَيْضا - منظوماً نظماً شعرياً غزلياً قد اسْتعْمل فِيهِ خدع الشّعْر وتمويهاته - تركب تحريكه للنَّفس وَكَثُرت وجوهه واشتدت الدَّوَاعِي وقويت على مَا ينْقض الْعِفَّة ويثير الشبق والشره لِأَن الشّعْر وَحده يفعل هَذِه الْأَفْعَال. وَهَذِه أَسبَاب شرور الْعَالم وَسبب الشَّرّ شَرّ فَلذَلِك يعافه الْعقل وتخطره الشَّرِيعَة وتمنع مِنْهُ السياسة. فَإِذا كَانَت الْآلَة خَارِجَة من الْبدن فأحسنها مَا قل اسْتِعْمَال الْأَعْضَاء فِيهِ وَبقيت هَيْئَة الْإِنْسَان ونصبته صَحِيحَة غير مضطربة وَكَانَ مَعَ ذَلِك أَكثر طَاعَة فِي إبراز على التَّأْلِيف وأقدر على تَمْيِيز النغم وأفصح على حقائق النغم المتشابهة لَا إِلَى المتناسبة الَّتِي حصلها على الموسيقا. ولسنا نَعْرِف أكمل فِي هَذِه الْأَسْبَاب من الْآلَة الْمُسَمَّاة عوداً لِأَن أوتارها الْأَرْبَعَة مركبة على الطبائع الْأَرْبَع ولدساتينها المشدودة نسب مُوَافقَة لما يُرَاد من تَمْيِيز النغم فِيهَا وَلَيْسَ يُمكن أَن تُوجد نَغمَة فِي الْعَالم إِلَّا وَهِي محكية مِنْهَا ومؤادة بهَا. فَأَما مَا يحْكى عَن الأرغن الرُّومِي فَلم تسمعه إِلَّا خَبرا وَلم نره إِلَّا مصوراً وَقد عمل فِيهِ الْكِنْدِيّ وَغَيره كلَاما مَا لم يخرج بِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute