للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ونريد أَن نعلم هَل هَذَا الِاخْتِصَاص الَّذِي لكل وَاحِد مِنْهَا بغرضه الْخَاص بِهِ وكماله الْمَفْرُوض لَهُ هُوَ بِمَا شَارك بِهِ غَيره آو بِمَا باينه بِهِ فتجده الصُّورَة الْخَاصَّة بِهِ الَّتِي ميزته عَن غَيره وَصَارَ بهَا هُوَ مَا هُوَ. أَعنِي صُورَة الفأس الَّتِي بهَا هُوَ فأس هِيَ الَّتِي جعلت لَهُ خاصته وكماله وغرضه وَكَذَلِكَ الْحَال فِي الْبَاقِيَات. ثمَّ نصير إِلَى الْإِنْسَان الَّذِي شَارك النَّبَات وَالْحَيَوَان فِي موضوعاتها فَنَقُول: إِن الْإِنْسَان من حَيْثُ هُوَ حَيَوَان قد شَارك الْبَهَائِم فِي غَرَض الحيوانية وكمالها أَعنِي فِي نيل اللَّذَّات والشهوات والتماس الراحات وَطلب الْعِوَض مِمَّا يتَحَلَّل من بدنه إِلَّا أَن الحيوانية لما مَا تكن صورته الْخَاصَّة بِهِ المميزة لَهُ عَن غَيره لم تصدر هَذِه الْأَشْيَاء مِنْهُ على أتم أحوالها وَذَاكَ أَنا نجد أَكثر الْحَيَوَانَات تزيد على الْإِنْسَان فِي جَمِيع مَا عددناه وتفضله فِيهَا بالاقتدار على التزيد وبالمداومة وبالاهتداء. وَلما كَانَت صورته الْخَاصَّة بِهِ الَّتِي ميزته عَن غَيره هُوَ الْعقل وخصائصه من التَّمْيِيز والروية - وَجب ان تكون إنسانيته فِي هَذِه الْأَشْيَاء فَكل من كَانَ حَظه من هَذِه الخصائص أَكثر كَانَ اكثر إنسانية كَمَا أَن الْأَشْيَاء الَّتِي عددناها كلما كَانَ مِنْهَا حَظه من صورته الْخَاصَّة بِهِ أَكثر كَانَ فَضله فِي أشكاله أظهر. ثمَّ نعود إِلَى شرح مسألتك ونبينها بِحَسب هَذِه الْأُصُول الَّتِي قدمتها فَأَقُول: لعمري إِنَّه لَو كَانَ غَايَة الْإِنْسَان وغرضه الَّذِي وجد بِسَبَبِهِ وكماله الَّذِي أعد لَهُ هُوَ الاستكثار من الْقنية والتمتع بالمآكل والمشارب وَسَائِر اللَّذَّات والراحات - لوَجَبَ أَن يستوفيها بصورته الْخَاصَّة بِهِ ولوجب أَن تكْثر عِنْده وَيكون نصيب كل إِنْسَان مِنْهَا على قدر قسطه من الإنسانية حَتَّى يكون الْأَفْضَل من النَّاس هُوَ الْأَفْضَل فِي هَذِه الْأَحْوَال من الْقنية والاستمتاع بهَا وَلَكِن لما كَانَت صورته الْخَاصَّة بِهِ هِيَ ذكرنَا علمنَا

<<  <   >  >>