للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسهو، وَلأَجل ذَلِك نهت الشَّرِيعَة عَن الْغَفْلَة وَنهى الْأَدَب عَن الكسل وَأمر النَّاس وسواس المدن بترك العطلة واشتغال النَّاس بضروب الْأَعْمَال. ولقباحة العطلة ونفور الْعقل عَنْهَا اشْتغل الْفَرَاغ بلعب الشطرنج والنرد على سخافتهما وَأَخذهمَا من الْعُمر وذهابهما بِالزَّمَانِ فِي غير طائل فَإِن الْجُلُوس بِلَا شغل وَلَا حَرَكَة بِغَيْر ضَرُورَة أَمر يأباه النَّاس كَافَّة لما ذَكرْنَاهُ. فَصَاحب الْفِكر والهم لَا تتعطل جوارحه وَإِنَّمَا يَنْبَغِي أَن يتعود الْإِنْسَان بالتأديب حركات جميلَة مثل الْقَضِيب الَّذِي وضع الْمُلُوك وَقد ذكره ذَلِك أَيْضا وَنسب إِلَى النزق وَجعل فِي جنس الولع بالخاتم. فَأَما مس اللِّحْيَة وَقلع الزئبر من الثَّوْب فمعدود من الْمَرَض لأنة حَرَكَة غير منتظمة وَلَا جَارِيَة على سنة الْأَدَب بل هُوَ عَبث يدل على أَن صَاحبه قد احْتمل حَتَّى عزب عقله وَذهب تَمْيِيزه دفْعَة. وَلَا يَنْبَغِي ذَلِك لمن لَهُ تَمْيِيز وَبِه مسكة أَن يَفْعَله بل يُنَبه عَلَيْهِ من نَفسه ويتركه إِن كَانَ عَادَته. فَأَما اخْتِلَاف الْحَال فِي النَّاس فِيمَن الِاجْتِمَاع مَعَ النَّاس أَو يحب الْخلْوَة وَغير ذَلِك مِمَّا حكيته وَذكرت أقسامه فَإِن ذَلِك تَابع للمزاج وَذَاكَ أَن صَاحب السَّوْدَاء والفكر السوداوي يحب الْخلْوَة والتفرد ويأنس بذلك. وَأما صَاحب الْفِكر الدموي فَإِنَّهُ يحب الِاجْتِمَاع وَالنَّاس وَرُبمَا آثر النزهة والفرجة. وَأما مَا حكيت عَمَّن يصنع الشّعْر ويصنف الرسَالَة ويشغل نَفسه بالعلوم فَجَمِيع ذَلِك إِنَّمَا يكون بِحَسب عَادَة من يطرقه الْفِكر فَإِن كَانَ قبل ذَلِك مِمَّن يرتاض بِبَعْض هَذِه الْأَشْيَاء أَو يكثر الْفِكر فِيهَا فَإِنَّهُ بعد وُرُود الْعَارِض يلجأ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ وَيعود إِلَى عَادَته بِنَفس ثائرة مضطرة إِلَى الْفِكر فَينفذ فِيمَا كَانَ فِيهِ.

<<  <   >  >>