إِمَّا أَن الْعلَّة لَا عِلّة لَهَا وَإِمَّا أَن الْعَالم لَا عِلّة لَهُ غير ذَات الْبَارِي - تَعَالَى ذكره - فَإِن قيل: إِن للْعَالم عِلّة غير ذَات الْبَارِي - تَعَالَى - فَإِن تِلْكَ الْعلَّة لَا عِلّة لَهَا. فَيجب من ذَلِك أَن تكون الْعلَّة أزلية لِأَنَّهَا وَاجِبَة الْوُجُود. وَإِذا كَانَت كَذَلِك لزم فِيهَا جَمِيع مَا سلم فِي ذَات الْبَارِي - تَعَالَى - وَلَو كَانَ كَذَلِك أَولا لم يزل. وَقد قُلْنَا فِي الْبَارِي - تَعَالَى - ذَلِك بالبراهين الَّتِي تأدت إِلَى القَوْل بِهِ. وَلَيْسَ يجوز ان يكون شَيْئَانِ لَهما هَذَا الْوَصْف أَعنِي أَن كل وَاحِد مِنْهُمَا اول لم يزل. وَذَلِكَ أَنه لَا بُد أَن يتَّفقَا فِي شَيْء صَار كل وَاحِد مِنْهُمَا أول وَأَن يختلفا فِي شَيْء بِهِ صَار كل وَاحِد مِنْهُمَا غيراً لصَاحبه. وَذَلِكَ الشَّيْء الَّذِي اشْتَركَا فِيهِ وَالَّذِي تباينا بِهِ لَا بُد أَن يكون فصلا مُقَومًا أَو مقسمًا فَيصير فالجنس مُتَقَدم على النَّوْع بالطبع. وَالنَّوْع الَّذِي يلْزمه فصل مقوم لَيْسَ بِأول لِأَنَّهُ مركب من ذَات وَفصل مقوم. والمركب مُتَأَخّر عَن بسيطه الَّذِي تركب مِنْهُ. فَهَذِهِ أَحْوَال يُنَاقض بَعْضهَا بَعْضًا وَلَا يَصح مَعهَا أَن يدعى فِي شَيْئَيْنِ أَن كل وَاحِد مِنْهَا اول لم يزل. وَشرح هَذَا الْمَعْنى وَإِن طَال فَهُوَ عَائِد إِلَى هَذَا النبذ الَّذِي يَكْتَفِي بِهِ ذُو القريحة الجيدة والذكاء التَّام.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute