للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَإِنَّمَا عرض لَهُم هَذَا الْخلاف لِأَن مِنْهُم من لحظه من حَيْثُ الْوَهم وَمِنْهُم من لَحْظَة من حَيْثُ الْحس. فَمن لحظه فِي وهمه أثْبته شَيْئا وَمن لحظه من حسه لم يُثبتهُ شَيْئا. وَالدَّلِيل على أَن الْمَعْدُوم الَّذِي يشيرون إِلَيْهِ هُوَ مَا ذَكرْنَاهُ وعَلى الْحَال الَّتِي وصفناها - أَن الْقَوْم إِذا تعاوروا مَسْأَلَة الْمَعْدُوم سَأَلُوا عَن الْجَوْهَر: هَل هُوَ فِي الْعَدَم وَعَن السوَاد هَل هُوَ سَواد الْعَدَم وَكَذَلِكَ جَمِيع أمثلتهم إِنَّمَا هِيَ من أُمُور محسوسة إِذا صَارَت غير محسوسة كَيفَ تكون أحوالها ثمَّ يكون جوابهم عَن ذَلِك بِمَا يتَصَوَّر مِنْهُ للنَّفس وَيقوم فِي الْوَهم فَيَقُولُونَ فِي السوَاد الَّذِي حَقِيقَته أَنه أثر فِي الْبَصَر من مُؤثر يعرض مِنْهُ الْقَبْض: إِنَّه فِي الْعَدَم أَيْضا كَذَلِك. كَأَنَّهُمْ يتوهمون أَنه يفعل بالبصر وَهُوَ مَعْدُوم مَا يَفْعَله وَهُوَ مَوْجُود. وَإِنَّمَا عرض لَهُم هَذَا الْوَهم لِأَن الْقُوَّة الَّتِي ترتقي إِلَيْهَا الْحَواس تقبل شَبِيها بالآثار الَّتِي تقبلهَا. أَي تحصل لَهَا الصُّورَة مُجَرّدَة من الْمَادَّة وَهَذَا هُوَ الْعلم الْحسي. لَو أمكنهم إِثْبَات صُورَة عقلية ونفيها لتكلموا على الْمَوْجُود الْعقلِيّ والمعدوم الْعقلِيّ. وَلَو أمكنهم ذَلِك لجَاز أَن يسْأَلُوا أَيْضا عَن الْعَدَم الْمُطلق: هَل يشار إِلَيْهِ أم لَا يشار إِلَيْهِ وَلَكِن هَذِه الْأُمُور غَابَتْ عَنْهُم. وَإِنَّمَا سَأَلت عَن مذاهبهم وَعَما يسْأَلُون عَنهُ وَقد خرج الْجَواب ولاح لَك بِمَشِيئَة الله.

<<  <   >  >>