تَأْخُذهُ عروق الشّجر من تربته فَيظْهر فِيهِ أثر النَّفس النامية أَعنِي النباتية ثمَّ يقوى هَذَا الْأَثر فِيهِ ويستحكم على الْأَيَّام حَتَّى يكمل وَيَنْتَهِي بعد ذَلِك إِلَى أَن يستعد لقبُول الْغذَاء بِغَيْر الْعُرُوق أَعنِي أَنه ينْتَقل بحركته لتناول غذائه فَيظْهر فِيهِ أثر الْحَيَوَان أَولا أَولا. فَإِذا كمل استعداده لقبُول هَذَا الْأَثر فَارق مَوْضِعه وَقبل أثر النَّفس الحيوانية ثمَّ لَا يزَال فِي مرتبَة الْبَهَائِم من الْحَيَوَان إِلَى أَن يصير فِيهِ استعداد لقبُول أثر النُّطْق. أَعنِي التَّمْيِيز والروية. فَحِينَئِذٍ يظْهر فِيهِ أثر الْعقل ثمَّ لَا يزَال يقوى هَذَا الْأَثر فِيهِ على قدر استعداده وقبوله حَتَّى يبلغ نِهَايَة دَرَجَته وكماله من الإنسانية ويشارف الدرجَة الَّتِي تعلو دَرَجَة الْإِنْسَان فيستعد لقبُول أثر الْملك. وَهَذَا الْكَلَام لَيْسَ يَقْتَضِي أَن يُقَال فِيهِ: مَتى تتصل وتنفصل بل من شَأْن الْقَائِل لَهُ أَن يُقَال فِيهِ: مَتى يستعد وَيقبل. وَأما النَّفس فَهِيَ معطية للذات كل مَا قبل أَثَرهَا بِحَسب قبُوله واستعداده وتهيئه. وَقد تبين أَنَّهَا تُعْطِي الْبدن أحوالاً مُخْتَلفَة وصوراً متباينة قبل أَن يكون جَنِينا وَبعد أَن تتمّ الصُّورَة الإنسانية لَيْسَ يَنْقَطِع أثر النَّفس من الْبدن أَلْبَتَّة على ضروب أَحْوَاله إِلَى أَن يَدُور ضرب أدواره وَيَنْتَهِي إِلَى غَايَة كَمَاله. وَلَا يَنْبَغِي أَن يُقَال إِنَّه يَخْلُو مِنْهَا فِي حَال من أَحْوَاله وَإِنَّمَا يقوى الْأَثر ويضعف بِحَسب قبُوله. وَالسَّلَام.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute