فقد قَالَ بعض الْعلمَاء: كَيفَ يكون الْحيَاء - وَهُوَ من آثَار الطبيعة - شُعْبَة من الْإِيمَان وَالْإِيمَان فعل يدلك آمن يُؤمن إِيمَانًا وَهُنَاكَ تَقول حيى الرجل واستحيي فَيصير من بَاب الانفعال أى المطاوعة. وَهل يحمد الْحيَاء فِي كل مَوضِع أم هُوَ مَوْقُوف على شَأْن دون شَأْن ومقبول فِي حَال دون حَال. الْجَواب: قَالَ أَبُو عَليّ مسكويه - رَحمَه الله: أما الْحيَاء الَّذِي أَحْبَبْت أَن نبدأ بِهِ فحقيقته انحصار نفس مَخَافَة فعل قَبِيح يصدر عَنْهَا. وَهُوَ خلق مرضى فِي الْأَحْدَاث فَإِنَّهُ يدل على أَن نَفسه قد شَعرت بالشَّيْء الْقَبِيح وأشفقت من مواقعته وكرهت ظُهُوره مِنْهُ فَعرض لنَفسِهِ هَذَا الْعَارِض. وإحساس النَّفس بالأفعال القبيحة ونفورها عَنْهَا دَلِيل على كرم جوهرها ومطمع فِي استصلاحها جدا. قَالَ صَاحب الْكتاب فِي تَدْبِير الْمنزل: لَيْسَ يُوجد فِي الصَّبِي فراسة أصح وَلَا دَلِيل أصدق لمن آثر أَن يعرف نجابته وفلاحه وقبوله الْأَدَب - من الْحيَاء. وَذَلِكَ لما ذَكرْنَاهُ من عِلّة الْحيَاء وبيناه من أمره. فَأَما الْمَشَايِخ فَلَا يجب أَن يعرض لَهُم هَذَا الْعَارِض لِأَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُم أَن يحذروا وُقُوع فعل قَبِيح مِنْهُم لما سبق من علمهمْ ودربتهم ومعرفتهم بمواضع الْقَبِيح وَالْحسن وَلِأَن نُفُوسهم يجب أَن تكون قد تهذبت وَأمنت وُقُوع شَيْء قَبِيح مِنْهُم فَلذَلِك لَا يَنْبَغِي أَن يعرض لَهُم الْحيَاء. فقد ذكرنَا الْحيَاء مَا هُوَ وَأَنه انفعال وَأَنه يحسن بالأحداث خَاصَّة وَذكر سَبَب حسنه فيهم.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute