للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفارسي، بدل التراث الإغريقي - الروماني - المسيحي على الحياة العربية، فإذا بالعرب يروحون في سبات مظلم عميق يستمر ألفًا من السنين) وبمعنى آخر يرى الخال أن العقل العربي في جوهره عقل "إغريقي - غربي" وهو يذكرنا هنا بطه حسين إذ أنه عقل متوسطي تكونت روابطه الأولى مع العالم الإغريقي - الغربي منذ مراجعه في فينيقيا وما بين النهرين "الهلال الخصيب"، ويعني ذلك في المحصلة أن الاندماج بـ "العالم الحديث" الذي هو نتاج العقلية الإغريقية - الأوربية ليس سوى عودة إلى جذور العقل العربي المتوسطي وينابيعه الأولى المرتبطة بهذه العقلية، وبذلك يبدو الاندماج بـ "الغرب" وكأنه استكشاف لـ "الهوية القومية - الحضارية" نفسها، فالعقل العربي في اندماجه بالغرب يستعيد منه ما كان قد أعطاه له، ويعود ذلك بالنسبة للخال إلى أن هذا العقل متوسطي أي إغريقي المعرفة، وتبدو طريقة تفكير الخال هنا قريبة جدًا من طريقة تفكير طه حسين في "مستقبل الثقافة") (١).

من هذا التنظر وذاك وأشباههما تهاوى مبدعو الحداثة نحو الغرب في ضمأ لاهث وتلهف قاتل فأخذوا وقموا كل ما عندهم في محاكاة عمياء واستيراد أخرق، واستعارة جوفاء، ونسخ بليد لكل ما هنالك من أفكار وعقائد ورموز وجاهليات.

وقد عمل أحد الكتاب البنيويين دراسة إحصائية لديوان أنشودة المطر للسياب، الذي فاز بجائزة مجلة شعر عام ١٣٧٩ هـ/ ١٩٦٠ م، فوجد أنه قد استعمل رمز تموز سبع عشرة مرة، ورمز المسيح عشرين مرة، ورمز عشتار سبع عشرة مرة، والصليب إحدى وثلاثين مرة، وأدونيس ثلاث مرات، وآتيس مرتين (٢).


(١) قضايا وشهادات ٢/ ٢٥٦. وانظر الحداثة الأولى: ص ١٣١ - ١٣٣، وانظر: قضايا وشهادات ٣/ ٧٣، وانظر: رأيهم في الإسلام: ص ٢٥، ٢٦، ٦٢، وانظر: أسئلة الشعر: ص ١٥٣، يذكر فيه سبب انصرافه فيه إلى رموز وأساطير ما قبل التاريخ العربي.
(٢) انظر: الموضوعية البنيوية د/ عبد الكريم حسن، الجداول الملحقة في آخر الكتاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>