للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الانحلال كله وبين جمود الحنابلة (!) دقيقٌ غامضٌ، لا يطلع عليه إلا الموفَّقُون، الذين يدركون الأمور بنور إلهي لا بالسماع [أي لا بالنصوص السمعية]، ثم إذا انكشفت لهم أسرار الأمور على ما هي عليه نظروا إلى السمع والألفاظ الواردة، فما وافق ما شاهدوه بنور اليقين قرروه، وما خالف أوَّلوه، فأما من يأخذ معرفة هذه الأمور من السمع المجرد فلا يستقر له فيها قدم، ولا يتعين له موقف، والأليق بالمقتصر على السمع المجرد مقام أحمد بن حنبل رحمه الله» (١).

فالأخذ من النصوص عنده يؤدي إلى الاضطراب، وعدم الثبات على شيءٍ، والحل الصحيح، ومعيار ما يؤخذ من الوحي وما يرد هو الرجوع إلى الكشف والذوق والنور الإلهي، مع أن كل ذي عقل يدرك أن هناك إحالة على شيءٍ أكثر اضطرابًا، بل أبعد تصورًا من هذا.

وعلى هذا اعتبر كثيرٌ من متصوفي الأشاعرة القدامى والمعاصرين علماء السلف - كأحمد بن حنبل، والبخاري، وأمثالهما - علماء شريعة، أما المحاسبي والغزالي ومن نهج نهجهم علماء حقيقة (٢).

وعلم الحقيقة عندهم هو كاسمه علم الحقائق، لا الظواهر الزائفة التي يقف عندها علماء الشريعة من المحدثين والفقهاء، وهو المسمَّى (العلم اللدنّي)، الذي يتلقونه بزعمهم عن الحي الذي لا يموت (٣)، وإن


(١) الإحياء (١/ ١٧٨ - ١٨٠).
(٢) انظر جولات في الفقهين الكبير والأكبر.
(٣) الصوفية صادقون في قولهم: إنهم لا يأخذون علمهم ميتًا عن ميت. لكنهم لا يأخذون عن الحي الذي لا يموت، بل عن الحي الذي أنظره الله تعالى إلى يوم يبعثون!.

<<  <   >  >>