للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شئت معرفة هذا المصدر والمعيار فاقرأ ما قاله الغزالي في (الرسالة اللدنية): «اعلم أن العلم الإنساني يحصل من طريقين: أحدهما: التعلم الإنساني. والثاني: التعليم الرباني ...».

ثم قال: «الطريق الثاني - وهو التعليم الرباني - على وجهين:

الأول: إلقاء الوحي، وهو أن النفس إذا كملت ذاتها يزول عنها دنس الطبيعة، ودرن الحرص والأمل، وينفصل نظرها عن شهوات الدنيا، وينقطع نسبها عن الأماني الفانية، وتقبل بوجهها على بارئها ومنشئها، وتتمسك بجود مبدعها، وتعتمد عزم إفادته، وفيض نوره.

والله تعالى بحسن عنايته يقبل على تلك النفس إقبالًا كليًّا، وينظر إليها نظرًا إلهيًّا، ويتخذ منها لوحًا، ومن النفس الكلي (؟) قلمًا، وينقش فيها جميع علومه، ويصير العقل الكلي (؟) كالمعلم، والنفس القدسية (؟) كالمتعلم، فيحصّل جميع العلوم لتلك النفس، وينقش فيها جميع الصور من غير تعلم وتفكر ...».

وبعد هذا التفسير القرمطي (١)

للوحي. ينتقل للوجه الثاني فيقول:


(١) في مثل هذه المسألة تلتقي الصوفية والنصرانية والباطنية في التلقي والاستمداد من (الأفلاطونية الحديثة)، وهي مدرسة وثنية فلسفية ظهرت قبل المسيح عليه السلام، من أساطيرها أن المنشئ الأزلي الأول تولد منه (العقل الكلي)، وعنه فاض (الروح الكلي)، أو (النفس الكلية)، ومنها تستمد جميع الأرواح والعقول.
وعن هذا الثالوث الوثني الخرافي عبرت الطوائف المذكورة كلٌّ بحسب اصطلاحه.

وكلام الغزالي هذا تجده بنصه، أو بمعناه في رسائل بولس (مؤسس النصرانية المنحرفة)، ورسائل إخوان الصفا الباطنية، وله أيضًا اقتباسات أخرى من مصطلحاتهم أدخلها في العقيدة معبرًا عنها بألفاظ قرآنية، مثل: الملكوت، والجبروت، والميزان. نبه إليها شيخ الإسلام في الرد على المنطقين (ص (٤٨٨)) وغيره. ونبه رحمه الله أن من يسمون فلاسفة الإسلام استخدموا جمال الألفاظ القرآنية والتعبيرات العربية في تزويق وتمويه الفلسفة الوثنية، ولولا هذا ما قبلها من المسلمين ... أحد. وانظر إلى كلام الغزالي أعلاه حيث جعل للعلاقة الأفلاطونية بين العقل والنفس الكليين صبغة إسلامية؛ إذ شبهها بتولد حواء من آدم عليه السلام، تمامًا كما فعل بولس الذي عبر عنها بتولد الابن من الأب ... تعالى الله ودينه عن هذه الوثنيات ...

<<  <   >  >>