وبهذا ترى أن الأشاعرة أدخلوا التعطيل ضمن مسمَّى ومفهوم (التوحيد)، في حين أنهم لم يدخلوا فيه أي نوع من أنوع العبادة التي يعتبر صرفها لغير الله شركًا منافيًا للتوحيد، وما ذاك إلا نتيجة فساد منهجهم في التلقي والاستمداد، وتقليدهم منهج الفلاسفة في تناول العقيدة من الزاوية الفلسفية المجردة، واعتبارها تصورات ذهنية محضة، على ما في هذه التصورات من خلل وتناقض.
وإذ لا يخفى على كل مسلم أن توحيد الله تعالى أصل الدين كله، وأن عليه مدار دعوة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، وفيه وقع النزاع بينهم وبين أممهم، وهو مفرق الطريق بين المؤمنين والكافرين، لا يقبل الله ممن لم يأت به صرفًا ولا عدلًا، فإن أعظم مقاييس صحة عقيدة أي فرد أو طائفة هو موقفه من قضية التوحيد معرفةً وتحقيقًا.
وهكذا ندع للقارئ الكريم الحكم على هذه الطائفة، ومنهجها العقلي المزعوم.
ومن موضوع التوحيد ننتقل إلى موضع آخر له أهميته في التصور الإسلامي، وهو غاية الوجود الإنساني، وحكمة الخلق والكون.
يقول الآمدي:«مذهب أهل الحق أن الباري تعالى خلق العالم وأبدعه لا لغاية يستند الإبداع إليها، ولا لحكمة يتوقف الخلق عليها ...
ووافقهم على ذلك طوائف الإلهيين، وجهابذة الحكماء المتقدمين» (١).