على أن من البديهيات المسلَّمة لدى كل مؤمن صادق أن الله تعالى لا يفعل شيئًا مجردًا عن الحكمة مطلقًا، وأن من أعظم ما تتجلى فيه هذه الحكمة إرسال الرسل، وهذا ما صرح به قوله تعالى:{رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}[النساء: ١٦٥].
وثبت في تفسيرها عند الشيخين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال. (ليس أحدٌ أحبّ إليه العذر من الله، من أجل ذلك أنزل الكتاب، وأرسل الرسل)(١).
ومن أجلى الاستدلالات على أن الأمر زائدٌ على مجرد المشيئة أن الكفار لما استدلوا على شركهم بالمشيئة فقالوا:{لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ ...} [النحل: (٣) ٥]. رد الله تعالى عليهم بقوله:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}[النحل: ٣٦].
فجعل حكمة إرسال الرسل دافعة لشبهة الاحتجاج بالمشيئة الكونية.
وعلى كلام الأشاعرة يستوي إشراك المشركين، وإرسال الرسل في تعلق كل منهما بالمشيئة، فيتوجه احتجاج الكافرين بها عياذًا بالله!.
وكما أن قول الأشاعرة هذا يخالف مقتضى الحكمة؛ فإنه يخالف مقتضى الرحمة، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}