والقصد هنا ليس الرد على منكري النبوة، ولا مناقشة الأشاعرة تفصيلًا، وإنما هو بيان تناقض أصولهم وفسادها، وأن هذه الأصول لا تستطيع النهوض أمام حجج المخاصمين، وإن كانوا مبطلين، فكيف يزعم أحدٌ أن هذه العقيدة هي التي تمثل حقيقة الإسلام، وهي التي يجب على المسلمين الالتفاف حولها، والاتحاد عليها!! (١).
هذا ومن الغريب في موضوع المعجزة عند الأشاعرة: ما ذكره الرازي عند قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي}[البقرة: ٢٦٠].
قال: «لا شك أن الأمة كما يحتاجون في العلم بأن الرسول صادقٌ في ادعاء الرسالة إلى معجِز يَظهر على يده، فكذلك الرسول عند وصول المَلَك إليه وإخباره إياه بأن الله بعثه رسولًا، يحتاج إلى معجز يظهر على يد ذلك الملك؛ ليعلم الرسول أن ذلك الواصل مَلَكٌ كَرِيم، لا شيطانٌ رجيم، وكذا إذا سمع الملك كلام الله احتاج إلى معجز يدل
(١) أما بيان أدلة صدق الرسل بالأدلة العقلية والقاطعة، فقد زخرت بها - ولله الحمد - كتب العقيدة السلفية. وانظر مثلًا شرح الأصفهانية (ص١٢٨ - ١٤٦)، والنبوات (ص٢٧، ١٠٠ - ١٢٨)، وبمقارنتها بكلام الأشاعرة الذي لخصناه أعلاه، يظهر لك الفرق الواضح بين العقيدتين، مع أنه في إمكان كل من سار على المنهج السلفي أن يزيد على ما ذكره علماء السلف السابقين، لأن منهجهم هو الأخذ من المعين الذي لا ينضب (الوحي)، أما الأشاعرة فهم محصورون في تلك القوالب العقلية الضيقة.