يقول الرازي بعد أن ذكر أن حقيقة الإيمان هى التصديق، وحقيقة الكفر هي التكذيب:«فإن قيل: يَبطُل ما ذكرتم من جهة العكس بلبس الغيار، وشد الزنار، وأمثالهما فإنه كفرٌ، مع أن ذلك شيءٌ آخر سوى ترك تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم فيما علم بالضرورة مجيئه به؟.
قلنا: هذه الأشياء في الحقيقة ليست كفرًا؛ لأن التصديق وعدمه أمرٌ باطنٌ لا اطلاع للخلق عليه، ومن عادة الشرع أنه لا يبني الحكم في أمثال هذه الأمور على نفس المعنى؛ لأنه لا سبيل إلى الاطلاع، بل يجعل لها معرِّفات وعلامات ظاهرة، ويجعل تلك المظان الظاهرة مدارًا للأحكام الشرعية، ولبس الغيار وشد الزنار من هذا الباب.
فإن الظاهر أن من يصدّق الرسول عليه السلام فإنه لا يأتي بهذه الأفعال، فحيث أتى بها دلّ على عدم التصديق، فلا جَرَم أن الشرع يفرع الأحكام عليها، لا أنها في أنفسها كفر» (١).
وواضحٌ من كلامه أنه ليس هناك فعلٌ مكفِّرٌ أصلًا، وهو كما ترى خلط بين حقيقة الكفر الباطنية التي لا يعلمها إلا الله، وبين جريان أحكام الدنيا، فإن موضوع تقرير حقيقة الكفر والإيمان مسألة عقائدية، أما جريان الأحكام الدنيوية فمسألة فقهية، وإن كان موضوعها عقائديًّا.
فلا يصح أن نستدل على أن هذه الأعمال ليست كفرًا بأننا لا نعرف ما في ضمير فاعلها؛ لأن الكفر قد يوجد في الباطن بدون هذه الأعمال، فكيف مع ارتكابها الذي لا يمكن أن يصدر إلا عن كفر راسخ؛ قد يكون