للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الفرق بين مقام النبوة في الإيمان، ومقام المنهمك في الفسق إلا هذا.

ومن الإلزامات التي لا محيد للأشاعرة عنها في هذا الباب: أن قولهم هذا يلزم منه الحكم بإيمان إبليس وفرعون، واليهود والنصارى، الذين يعرفونه كما يعرفون أبناءهم، فضلًا عمن ناصر الدين وأيده كأبي طالب، ونحوه من المشركين؛ لأن هؤلاء جميعًا مصدقون بقلوبهم.

وأمام هذا الإلزام القاطع اضطرت الأشاعرة إلى القول بأن من نفى الشارع عنه الإيمان كهؤلاء، علمنا أنه ليس في قلبه تصديقٌ مطلقًا، وهذا ما حكم عليه شيخ الإسلام وغيره بأنه مكابرة وسفسطة.

قال رحمه الله: «والحذاق في هذا المذهب - كأبي الحسن، والقاضي، ومن قبلهم من أتباع جهم - عرفوا أن هذا تناقضٌ يفسد الأصل، فقالوا: لا يكون واحدًا كافرًا إلا إذا ذهب ما في قلبه من التصديق، والتزموا أن كل من حكم الشرع بكفره فإنه ليس في قلبه شيءٌ من معرفة الله، ولا معرفة رسوله، ولهذا أنكر هذا عليهم جماهير العقلاء، وقالوا: هذا مكابرة وسفسطة» (١).

ومما بناه الأشاعرة على هذا الأصل الفاسد قولهم: إن السجود للصنم، ولبس الصليب، والزنّار، وقتل النبي، وإهانة المصحف الشريف، أو الكعبة، ونحو ذلك، ليس كفرًا، إنما هو دليلٌ على الكفر الذي هو انتفاء التصديق من قلب فاعله (٢).


(١) الإيمان (ص١٤١)، ومثله في (ص١٤٢) وما بعدها.
(٢) انظر المصدر السابق (ص١٤٣)، وتفسير الفخر الرازي (٢/ ٤٢).

<<  <   >  >>