للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من ذلك ما فعله الغزالي الذي عاش تجربة الشك، ثم انتهى به الأمر إلى اختيار طريق الصوفية، وقد تحدث بنفسه عن هذه التجربة في كتابه الذي أسماه (المنقذ من الضلال) وغيره.

وقريبٌ منه قول الرازي في توبته: «إني كنت رجلًا محبًّا للعلم، فكنت أكتب من كل شيءٍ شيئًا لأقف على كميته وكيفيته، سواء كان حقًّا أو باطلًا».

إلى أن يقول: «ولقد اختيرت الطرق الكلامية، والمناهج الفلسفية، فما رأيت فيها فائدةً تساوي الفائدة التي وجدتها في القرآن» (١).

وهذا حال كثيرٍ منهم لما رفضوا ما أسموه (إيمان العوام)، أو (التقليد) تاهوا وتحيروا، وشكوا وترددوا، ونقبوا في كل سبيل، وبحثوا عن كل مصدر، وأخيرًا عاد من عاد منهم، وأخذ يضرع إلى الله أن يميته على دين العجائز.

وذِكْرُ حَيرتهم وتوبة من تاب منهم يطول شرحه، وإنما المقصود بيان ما أوجبوه وألزموا به الأمة من واقع حالهم هم بأنفسهم.

وأصل البلاء في هذه المسألة ونحوها: هو الإصابة بعدوى الفلسفة الوثنية الإغريقية، التي ترجمت زمن المأمون ومن بعده، والتي تنكر الوحي وتجعل العقل هو وحده الحكم والمعيار ومصدر التلقي في كل شيء، وكان مذهب فلاسفتها إخضاع المعتقدات والأديان كلها للنظر العقلي.?


(١) طبقات الشافعية (٨/ ٨٥).

<<  <   >  >>